تمحورت الحلقة حول كتاب "تاريخ الكتابة: من التعبير التصويري إلى الوسائط الإعلامية المتعددة" الذي أعدته العالمة الفرنسية آن ماري كريستان الأستاذ بجامعة جوسيو بباريس، وشارك في كتابته العديد من المتخصصين في معظم كتابات العالم، وصدرت النسخة العربية من الكتاب عن مكتبة الإسكندرية. وأشارت الدكتورة علا العجيزي إلى أهمية وجود هذا الكتاب باللغة العربية وفي متناول القارئ العربي نظرًا لقيمته العلمية الكبيرة لأن مؤلفيه متخصصون في الكتابة واللغات العالمية. وأوضح الدكتور سراج الدين أن الكتاب صدر بالفرنسية ثم تُرجم للإنجليزية، وفي البداية وضع ناشره الفرنسي "لامريون" شروطًا للترجمة تتعلق بجودة المضمون مع جودة الشكل والإخراج الفني، وفعلاً خرجت النسخة العربية لتحقق المعايير الموضوعة، وهو ما أقر به مؤلفو الكتاب.

وعن بداية الكتابة، وكونها بدأت في بلاد ما بين النهرين كما هو معروف أو في مصر الفرعونية كما يرى البعض، أشارت الدكتورة العجيزي إلى أن اكتشاف الكتابة في بلاد ما بين النهرين ومصر كان متوازيًا، ولا يمكننا تحديد السابق منهما، في حين بدأت الكتابات الأخرى في المنطقة بشكل مختصر. وأشار الأستاذ أشرف فتحي إلى أن الكتابة السومرية في العراق بدأت منذ فترة تتراوح بين 5000 عام و4800 عام، في حين أن بدايات الكتابة المصرية كما وجدت في أبيدوس ظهرت إرهاصاتها قبل الأسرة الأولى ومنذ ما يقارب 5200 عام.

وأوضح الدكتور سراج الدين أن هناك شكلين من الكتابة، الأول هو المعتاد الذي يعتمد على حروف ورموز تمثل حركات صوتية معينة يتم تجميعها لتكون كلمات وعبارت وجملاً تُنطق بشكل محدد، والشكل الآخر الرمز فيه ليس حرفًا بل صورة أو علامة كما هو حال الكتابة الصينية. وقد ضمت اللغة المصرية القديمة الشكلين معًا.

وأشار الدكتور عبيد إلى أن هناك ثلاثة اكتشافات صنعت الإنسانية العاقلة، هي اكتشاف النار، واكتشاف الزراعة والاهتداء إلى أسرار الكتابة، والكثير من فضل الاهتداء إلى الكتابة يعود للمصريين القدماء والسومريين. وقد مرت الكتابة الإنسانية بثلاث صور، الأولى هي مرحلة التصوير المجرَّد للأشياء وتُعرف باللوجوجرام، ثم تكوين الحروف من خلال الصور وتُعرف بالفونوجرام، ثم دمج الصورة بالحروف وتُعرف بالإيديوجرام. وقد بدأت الكتابة في مصر الفرعونية وأخذتها فينيقيا القديمة ونقلتها إلى حوض البحر الأبيض المتوسط.

وعن وجود الصورة في الكتابة الحديثة، استشهد الدكتور عبيد بما قالته كريستان عن أن الكتابة المعاصرة ظلمت الإنسان البسيط عندما ألغت الصورة واستبدلتها بالحرف المجرد، لكن الدكتور سراج الدين قال إن الصورة لم تختفِ تمامًا من الكتابة الحديثة، فقد وُجدت في المدونات القديمة ومدونات العصور والوسطى، ثم اختفت مع ظهور الطباعة لصعوبة طباعة الصور، ثم عادت بقوة من خلال التكنولوجيا الحديثة والوسائط المتعددة التي ساعدت على تحويل الحروف والصور والصوت والفيلم إلى مادة رقمية يمكن دمجها. وأكد الأستاذ منصور أن الصورة عادت شيئًا فشيئًا من خلال العلامات الحديثة الموجودة في المرافق العامة والتي يفهمها الجميع.

وفي نهاية الحلقة، تناول الدكتور سراج الدين موضوع إعادة اكتشاف الكتابات القديمة التي ظلت شواهدها تحفل بكتابات مثلت طلاسم للمعاصرين، مثل لغز اللغة المصرية القديمة التي فسرها شامبليون في القرن التاسع عشر. ولم تكن الحالة الوحيدة، فهناك كتابة حضارة المايا في وسط وجنوب أمريكا اللاتينية، وعن هذه الحالة تحدث الدكتور عبيد عن قيام العالمة الأمريكية مس بريكر عام 1986 بوضع قاموس للغة المايا. وأشار أيضًا إلى ضرورة تذكر ما ارتكبه الغزاة الأوربيون من جرائم بحق شعوب المايا والأزتيك والنهواتال والإنكا؛ حيث هُدمت حضارات هذه الشعوب وتعرضوا للإبادة والاستعباد. والآن تجرى محاولات لإعادة كتابة تاريخ هذه الحضارات ورد الاعتبار لها مع زيادة النفوذ السياسي لبعض أفرادها في بعض الدول اللاتينية.