تم في البداية مناقشة مصطلح "الثقافة" بتعدد مفاهيمه وتشابكها وارتباكها أحيانًا. وقد أشارت الدكتورة آمال قرامي إلى مشكلة التسرع في صك المصطلحات العربية المستقاة من الفكر الغربي بالأساس، وهذا ما يسبّب مشكلة أخرى هي اجتزاء هذه المصطلحات دون الاهتمام بجذورها ونشأتها الأوروبية المختلفة تمامًا عن ظروفنا المحلية، كما تحدث أحيانًا محاولات لتعريب المصطلحات من خلال فرض صبغة عربية مفتعلة عليها، مثل قضية المرأة التي تم صك مصطلحات كثيرة لها في الدول العربية: منها الجنوسة والنوع الاجتماعي ونوع الجنس والجندر وغيرها. وهنا عرض الدكتور إسماعيل سراج الدين رأيًا لمجمع اللغة العربية حول أهمية احترام التطور اللغوي.

بعد ذلك تمت مناقشة مشكلة ثقافية في العالمين العربي والإسلامي، سببها أن هناك جماعات دينية تحاول العودة للجذور الإسلامية التي يمثلها الماضي الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث تحاول إحياء هذه الجذور عنوةً ودون إضافة أي إسهام أو تجديد فكري، متجاهلين الثقافة العالمية التي ترتكز على التعدد والشمولية، وتساءل الدكتور سراج الدين عن تقييم دور المثقفين العرب في مواجهة هذه الظاهرة. وقد شرح الدكتور محمد الحداد أبعاد المشكلة؛ فهي تسبب الانغلاق على الذات، وتدفع المثقفين العرب للاحتماء بعزلتهم وتقديم أطروحات تتجاهل السياق العالمي تمامًا.

واستكمالاً لتقييم دور المثقفين العرب في تطوير مجتمعاتهم وإصلاحها، أشاد الدكتور سراج الدين بدور الإمام محمد عبده في تأسيس مدرسة إصلاحية مهمة في تاريخنا الثقافي ونهضتنا الفكرية، منوّهًا بفتواه التقدمية بأن ولي الأمر يجوز له منع تعدد الزوجات إذا رأى في ذلك فائدةً للأمة، إلا في حالة العقم، وبشرط موافقة الزوجة الأولى، وذلك في فترة مبكرة وبعيدة عن أي تأثير غربي مباشر. وقد أكدت الدكتورة آمال أننا نعيش حالة ردة ثقافية، في ظل ثقافة تأسيس النسيان، أي نسيان المواقف المشرفة للمرأة ونضالها، كما تتراجع كثير من الدول العربية عن خطواتها في صالح المرأة. والملحوظ أن ذلك يتم في إطار استهلاك الأدوات العصرية الحديثة وفق عقليات رجعية لا علاقة لها بقيم الحداثة الفكرية.

وهنا اتجهت المناقشة لمشكلة ارتباط الشعوب العربية بالعصر الحديث على نحو مشوه، فاتفق الدكتور الحداد والدكتورة آمال على وجود أزمة كبيرة في استهلاك الشعوب العربية لمنتجات العصر دون الوعي بقيمه، فهناك فتيات محجبات يمارسن الفتنة علانية في الشوارع، مما يعني أنهن لا ينتمين للقيم الأخلاقية للدعوة النبوية الكريمة، كما أن الهواتف المحمولة ومواقع الإنترنت تستخدم كثيرًا في الإفتاء بفتاوى رجعية وبث الأفكار المناقضة تمامًا لقيم الحضارة، بمعنى أن المسلمين يعيشون بأفكار وشعارات لا تنتمي لهذا العصر بينما هم منخرطون تمامًا في منتجاته وطرق معيشته.

لكن الدكتور سراج الدين أعرب عن تفاؤله بانتصار قيم التنوير والعقل بمرور الزمن، ضاربًا المثل بانتصار أفكار جاليليو التي اضطُر للتنازل عنها أمام سلطة الكنيسة. ثم تطرقت المناقشة إلى الدور السلبي لبعض المثقفين العرب بعد تحرر الدول العربية من الاستعمار، وبعد تفاؤل الشعوب والمثقفين بقيام نهضة عربية كبرى، حيث أوضح الدكتور سراج الدين أن تحالف كثير من المثقفين العرب مع السلطات الشمولية وتضحيتهم بحرية الفرد سعيًا للتطوير السريع، أدى لخلل خطير في المنظومة الفكرية العربية.