بدأت الحلقة بإشارة الدكتور إسماعيل سراج الدين إلى تطور الفنون التشكيلية في مصر خلال القرن العشرين، وتساءل عما إذا كان هذا التطور يعد نوعًا من "التغريب"، أم أنه نوع من تفجير الطاقات الذاتية للفنانين المصريين. وقد أجاب الأستاذ منير عامر بأن الفن لم يغب عن مصر أبدًا، وهو منتشر حتى لدى الطبقات الشعبية البسيطة ولكن بطرق مختلفة.

وقد أيّد الفنان عدلي رزق الله هذا الرأي، ضاربًا المثل بأقدم الفنانين المصريين في العصر الحديث: محمود مختار الذي انتزع المركز الأول في اختبار القبول بكلية الفنون الجميلة بفرنسا، ثم في السنة التالية عرض بصالون باريس تمثاله "كليوباترا"، ثم كُتِب عن تمثاله "نهضة مصر" صفحة كاملة في صحيفة الفيجارو؛ وهذا ما كان ورقة في يد الوفد المصري الذي فاوض الإنجليز حول استقلال مصر.

وقد تحدثت الأستاذة سلوى الشربيني عن مدى التفاعل الفني من خلال عرض الأعمال الفنية المصرية في الخارج، وعرض الأعمال الأجنبية في مصر، وأكدت على أن هذه السياسة قديمة في وزارة الثقافة لكن طريقة تنفيذها تختلف من وقت لآخر. وحول تنمية الفنان لموهبته وتطوير خبراته أوضحت الفنانة مروة الشاذلي التي عرضت باكورة أعمالها في معرض "أول مرة" الذي تقيمه مكتبة الإسكندرية للفنانين الشباب، أن بداية الفنان تكون غالبًا مبكرة ومنذ طفولته، فقد كانت تذهب برفقة والدها وهي في المرحلة الابتدائية، لزيارة المعارض الفنية والمتاحف، وفي مراحل أخرى جاءت الدراسة الجامعية ثم مرحلة عرض أعمالها في معارض دولية.

بعد ذلك ناقش الضيوف أهمية الدور الذي تقوم به مجلة فنون مصرية، فأوضح الدكتور سراج الدين أنها ذات أهمية مزدوجة: فهي مرآة نرى فيها تطور مسيرة الفن المصري المعاصر، كما أنها نافذة على الإبداع الفني العالمي لنرى أين وصل تطور الفن التشكيلي خارج مصر. وقد حكى الأستاذ منير عامر فكرة تأسيس المجلة وسببها، حيث أراد أن تشتمل على العمارة واللوحة والموسيقى وتاريخ الآثار الفنية. كما نوّه بأن الفنون في مجملها مترابطة؛ فاللوحة الجميلة تحتوي على العمارة والشعر والموسيقى. وهنا أكد الدكتور سراج الدين على المقولة المشهورة عن العمارة بأنها موسيقى متجمدة، لأن فيها الإيقاع والتقابل والتناغم وغير ذلك من مكونات موسيقية.

وفي سياق تناغم الفنون وارتباط الصورة بالكلمة، تحدث الفنان عدلي رزق الله عن تجربته التي اتفق الضيوف على تفردها في الربط بين الكلمة والصورة، وحكى عن بداية العلاقة بين الكلمة والصورة في تكوينه الفني، فمنذ طفولته الباكرة كان يتابع مسامرات الجيب والمصور، وبالأخص أشاد الفنان رزق الله بمجلة سندباد ودور أستاذه حسين بيكار في هذه المجلة التي تربّى عليها جيله كله، وكانت هذه المجلة تزاوج بين الكلمة والصورة بشكل مدهش. ثم كان تفتّح هذه العلاقة بين الكلمة والصورة في تجربة رزق الله حين رسم أغلفة كتب الأدباء من جيل الستينيات، لأنه قام بتقديم لوحات أغلفة مغايرة تمامًا للأغلفة السائدة وقتها.

ثم أثار الدكتور سراج الدين قضية مهمة وهي تأثير فنون الثقافات البسيطة في فنانين عالميين قادوا ثورات فنية كبرى، كما رأينا تأثير الفن الإفريقي في أعمال التكعيبيين الرواد "بيكاسو وبراك على سبيل المثال" وهناك غيرهم كثيرون. ونوّه الدكتور سراج الدين بمعرض فني كبير أقيم بنيويورك في السبعينيات يوضح تأثر قادة المدارس الفنية الغربية بفنون بدائية مثل الفن الإفريقي وفن جزر المحيط الهادئ. وفي إعداد مثل هذه المعارض يتم الجمع بين قطع فنية متباينة المصادر ومحاولة دراسة العلاقات المتبادلة بينها، وهذا يرتبط بفكرة الربط بين فنون مختلفة معًا.