بدأت الحلقة بتعريف فن الموشحات الذي ظهر بالأندلس بعد دخول العرب إليها، حيث تفاعل الشعر العربي التقليدي مع اللهجات المحلية والموسيقى والأغاني الشعبية الأندلسية من جهة، ومع الطبيعة الأندلسية الخلابة من جهة أخرى وحب المرح والاحتفال بالحياة؛ من كل هذه العوامل وُلِد الموشح الأندلسي، كما أضاف الفنان محمد النجار أثر التفاعل الموسيقي من ثقافات مختلفة في تكوين الثقافة الفنية الأندلسية، حيث نلاحظ أن المقامات الفارسية (ومنها الراست) والمقامات التركية (مثل الحجاز) قد استُخدِمت في غناء الموشحات الأندلسية.

وقد أوضح الدكتور محمد زكريا عناني أن النصوص الشعرية السابقة على الموشحات كانت تُكتب بالفصحى كاملةً أو بالدارجة كاملةً، أما الموشحات فكانت تتضمن الفصحى والدارجة في نفس الموشح، وهو ما شكّل لغزًا للدارسين، والمدهش أيضًا أن الجزء الأخير من الموشح (ويُسمّى: الخَرْجَة) كان يُكتب بلهجة رومانثية (والرومانثية هي اللغة الإسبانية القديمة). وقد تميز الشعر الأندلسي عامةً والموشح خاصةً بالرقة والعذوبة. وأوضح الدكتور عناني أيضًا أن ابن سناء الملك حكى أن الموشحات كانت تُغنّى أساسًا على آلة "الأورج"؛ وهذا يؤكد الأصل الأندلسي للموشح، لأن الأورج كان آلة كَنَسِية في البداية، ثم استُخدِم في الموسيقى الأوروبية خارج الكنيسة.

كما تحدث الفنان محمد النجار حديثًا مسهبًا عن التفاعل بين الآلات الموسيقية العربية والأوروبية عن طريق الأندلس، فقد لاحظ العرب أن العود له أربعة أوتار وأن الجيتار بأوتاره الستة يمنح مساحة صوتية أكبر، كما أن آلة "التامبورين" الإسبانية كان يقابلها "الدف" العربي، الذي استفاد من إمكاناتها في إنتاج آلة "الرق". بينما علّق الدكتور عناني خلافًا لرأي الفنان محمد النجار بأن التاريخ يثبت أن العود العربي كان الأسبق دخولاً إلى أوروبا، ومنه نشأ الجيتار الذي كان اسمه العربي: القيثار، منوهًا بأن زرياب حين رحل إلى الأندلس أضاف وترًا خامسًا للعود العربي فأصبح الجيتار. كما أن أقدم الوثائق الخاصة بفن التروبادور بجنوب أوروبا تصوّر الجواري العربيات (اللاتي أسرهن الجيش النورماندي) وهن يعلمن المغنيات الأوروبيات كيف يستخدمن آلة العود - وليس الجيتار - في أداء أغاني التروبادور التي كانت شديدة الشبه بالموشحات. كما نوّه الدكتور عناني بدور أبي الفرج الأصفهاني في جمع الألحان والأغاني الشرقية وحفظها لنا.

أما سبب تسمية هذا الفن الشعري بفن "الموشحات" فقد شرح الدكتور عناني أن الوِشاح لغةً هو الحزام القماشي الذي ترتديه المرأة وتحيط جسدها به، وأحيانًا تستخدمه أثناء الرقص فتحيط به جسدها أو تحركه بيديها، والموشحات فن شعري لكنه استُخدم كثيرًا في الغناء والرقص، كما أن من طبيعة الموشحات أنها تحتفي بالبهجة واللهو والاستمتاع بالحياة، ولذا نجدها تمتلئ بالصور المبهجة والحركات الخفيفة السريعة، كما يُختتم الموشح بجزء من أغنية ليتم غناؤها؛ كل ذلك يؤكد الطبيعة الغنائية الراقصة للموشح، وهذا ما يؤكد اقتباس اسمه من الحزام القماشي الذي يُستخدم حتى الآن في الرقص. وذكر الدكتور عناني أيضًا أن أوائل الوشّاحين في المشرق العربي كانوا سكندريين، وكان أولهم: ظافر الحداد ثم ابن قلاقس الإسكندري، كما أن ابن سناء الملك تربى وعاش في الإسكندرية.

أما عن استمرار هذا الفن حتى الآن، فهو لا يزال قائمًا وإن كان الشعراء الشاميون أكثر تأليفًا وعنايةً به، ونلاحظ أن أمير الشعراء أحمد شوقي أبدع موشحًا بعنوان "صقر قريش"، فكأنه أراد أن يمدح الأمير الأموي عبد الرحمن الذي اشتُهِر بلقب "عبد الرحمن الداخل" لأنه طورد عبر العالم العربي حتى استقر بالأندلس، وأسس حكمًا أمويًّا زاهرًا؛ لذا مدحه شوقي بموشح أندلسي.