بدأ النقاش بتوضيح من الدكتور إسماعيل سراج الدين لأبعاد المواطنة باعتباره المحدد لعلاقة الفرد بالوطن وبالمجتمع، وأفاد الدكتور سامح فوزي أن المواطنة الثقافية لها مدلولات مختلفة منها احترام الثقافة الرئيسية للمجتمع للثقافات الفرعية وتمثيلها في الإطار العام للمجتمع، وكذلك حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، كما أنها تشير إلى الحقوق التعليمية والأكاديمية. وأضاف أنه من الملاحظ وجود مؤسسات دينية تستغل فكرة "القيد على حق التعبير عن الرأي" لتقوم بمصادرة الأعمال الإبداعية وملاحقة أصحابها قضائيًّا.

وأشار الدكتور سراج الدين إلى أن الحديث عن حرية التعبير أوسع من "حرية الكلمة" إذ إنها تشمل كافة أشكال التعبير الفني والإبداعي. وقد عرف جيمس ماديسون الديمقراطية باعتبارها "ليست مجرد ضمان لسيادة رأي الأغلبية بقدر ما هي حماية للأقلية من بطش الأغلبية". ولكن ما هي حدود التعبير عن الرأي خاصة إذا كان جارحًا لشعور الأغلبية؟ ورأى الأستاذ محمد حمدي أن المبدع الفرد من حقه أن يعبر وأن ينشر ما يريد بشتى السبل، وليس لأحد أن يمنعه من هذا الحق الدستوري. لكن ليس من حق الدولة أن تتبنى إبداعًا معينًا يتصادم مع أفكار ومعتقدات الأغلبية أو أقلية معينة كوجهة نظر رسمية لها.

وفي سياق متصل، تساءل الدكتور سراج الدين عن كيفية التفريق بين حرية الرأي والتعبير والتحريض، وأجاب الدكتور فوزي بأن فكرة المجال العام تفترض أن المواطنين يعبرون عن آرائهم في إطار حكم القانون، والقانون هو الذي يحدد السب أو القذف أو التحريض. ومن المرفوض أن يحاول البعض فرض خطاب ديني معين وإزاحة بقية الخطابات، أو أن يمارس البعض قوامة ثقافية على المجتمع.

لكن الدكتور سراج الدين أوضح أن الأمور في هذا الصدد قد تكون أعقد خاصة إذا كان وضع القانون نفسه ملتبسًا بمصالح البعض، كمُلاك الأراضي في أمريكا اللاتينية الذين يسيطرون على ملكيات واسعة يُستغل فيها عمل المزارعين البسطاء، وهؤلاء الملاك هم من يضعون القوانين ويقننون أوضاعهم، فهل سيكون من التحريض أن تدعو بعض الصحف الفلاحين إلى التحرك والاستيلاء على الأراضي لتغيير هذا الوضع؟

ورأى الأستاذ حمدي أن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية جزء أصيل من حقوق المواطنة، وفي حال انتقاصها يجب على المواطنين التحرك بشتى السبل لتغيير هذا الوضع من خلال "مخاطبة البرلمانات أو الاحتجاج أو الاعتصام أو غير ذلك من وسائل". وأضاف أنه إذا كانت القوانين قد وُضعت لتُحترم، فمن الواجب التحرك من أجل تغييرها إذا كان عقبة في سبيل المواطنة الكاملة. ورأى الدكتور فوزي أنه ينبغي التفريق بين التمييز ضد بعض الفئات بسبب اتجاهات مجتمعية، والتمييز القائم على قانون معين. ويمكن معالجة النوع الأول من خلال الثقافة والتربية المدنية أي "التعليم من أجل المواطنة"، أما النوع الأخير فيُعالج بالنضال الاجتماعي القائم على الحركات الاجتماعية وتعبئة الإعلام والرأي العام لإسقاط هذه القوانين التمييزية.

ومن هذه النقطة أكد الدكتور سراج الدين على الدور الهام الذي يلعبه المثقفون بالكلمة والرأي في تغيير المناخ العام للمجتمع، وهو ما شهدناه مع حركة الرواد الأوائل التي بدأت في مناخ مضاد للتنوير ولكنها استطاعت من خلال قوة الكلمة والحوار بين الرأي والرأي الآخر أن تصنع هذا التغيير دون صدام. وعلى المثقفين أن يدافعوا عن المواطنة باعتبارها حقًّا للجميع في مواجهة أي جماعات أو اتجاهات متطرفة تسعى لانتقاصها. كما أن جزءًا من المسئولية يقع على المواطنين أنفسهم للمشاركة في الحوار المفتوح حول الحقوق والحريات والواجبات.