في هذه الحلقة قدم الدكتور إسماعيل سراج الدين تعريفًا بمؤسسة السميثونيان، تلك المؤسسة العلمية الفريدة من نوعها في أمريكا والعالم. وبدأت قصة السميثونيان في مطلع القرن التاسع عشر بجيمس سميثسون الثري والعالم البريطاني ذي الاتصالات الاجتماعية والاهتمام بالعلم والمعرفة، وقد أوصى سميثسون بثروته إلى الولايات المتحدة، الجمهورية الناشئة حديثًا آنذاك والتي لم يزرها مطلقًا في حياته، وطالب المسئولين فيها بتأسيس مؤسسة علمية كبيرة تعمل على إثراء العلم ونشره بين الناس.

وكان هناك تشكك في قبول الولايات المتحدة لمنحة سميثسون لكونه بريطانيًّا وللاختلاف حول كيفية إنفاقها. وبعد وفاته عام 1826، وبعد عدة مفاوضات أصدر الكونجرس عام 1846 قانونًا بإنشاء هذه المؤسسة العلمية التي أطلق عليها "السميثونيان" نسبة إلى سميثسون في واشنطن العاصمة. وحققت المؤسسة العلمية بالفعل وصية سميثسون ونحجت في إثراء العلم ونشره بين الناس.

بدأت مؤسسة السميثونيان بمبنى صغير ذي برج، ظل الأعلى في واشنطن حتى عهد الحرب الأهلية، واستغل الرئيس لينكولن هذا المبنى كثيرًا في مراقبة حربه مع ولايات الجنوب. وفيه فكر في تأسيس أكاديمية العلوم الأمريكية، وتم إرساء نظام "منح الأراضي للجامعات" الذي أصبح عماد نظام التعليم العالي الأمريكي. وبمرور الوقت بدأ المواطنون في التبرع بمجموعات علمية هائلة للسميثونيان، وهو ما ضعف عدد متاحفها في فترة محدودة. وأكبر هذه المتاحف وأهمها هو "المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي" الذي يعد أكبر متحف أحيائي في العالم.

وتضم مؤسسة السميثونيان معارض ومتاحف فنية، وأشهر معارضها "فرير" و"سكالر"، وبها أيضًا متحف الفنون الشرقية الذي يضم قاعات للمقتنيات العربية والإسلامية والصينية والهندية واليابانية، مما يمكن المواطن الأمريكي من التعرف على ثقافة الشرق باعتبار أن التواصل الثقافي من صلب رسالة المؤسسة. وإلى جانب القاعات الشرقية هناك متحف للفنون الأمريكية، وكذلك متحف "هيرش هورن" للفنون التشكيلية الأوروبية الحديثة وعلى رأسها فن النحت.

وتتفرد مؤسسة السميثونيان باحتوائها على متحف "الطيران والفضاء" الأعجب والأغرب بين مجموعتها، ويعكس هذا المتحف ريادة الولايات المتحدة في مجال الفضاء، وقد افتتحت المؤسسة فرعًا لهذا المتحف في مدينة نيويورك إلى جانب مقره الرئيس في وسط واشنطن. وتغطي السميثونيان بمنظومتها العلمية المتكاملة مختلف أوجه المعرفة الإنسانية، وإن كانت تركز أبحاثها وجهود علمائها حول البيولوجيا والبحوث الأنثربولوجية حول ثقافات العالم المختلفة، ولكن إسهامها في بحوث الفيزياء والكيمياء أقل. وتعتبر السميثونيان رائدة في عرض المادة العلمية المعقدة على الجمهور الزائر. والجزء الأكبر من الثروة العلمية التي تمتلكها المؤسسة غير معروضة، ومنها أكبر رصيد في العالم من عينات الاكتشافات الأصلية.

وهكذا أصبحت السميثونيان أكبر صرح ثقافي، وتضم 19 متحفًا والعديد من المراكز البحثية ومراكز الترميم والأرشفة، وتتواصل مع 162 متحفًا حول العالم. ويقوم علماؤها وباحثوها برحلات حول العالم لمزيد من الاستكشاف والإضافة إلى العلم والمعرفة، كما أنها تصدر العديد من المطبوعات والمنشورات والكتب العلمية. ويرى نائب مدير السميثونيان ريتشارد كيورين أن المؤسسة تسعى إلى التوسع والامتداد دون نهاية محددة، وإن كان هذا التوسع سيعتمد على مزيد من التعاون بينها وبين المتاحف والمؤسسات العلمية الأخرى عبر العالم كله.

واختتم الدكتور سراج الدين الحلقة بقوله إن السميثونيان تعد من المبادرات الرائدة والنادرة في تاريخ البشرية، ومن أروع أمثلة التعاون السلمي في مجالات العلم والمعرفة والتواصل بين العلماء. وطالب بأن يتمكن القارئ العربي من الاطلاع على هذه التجربة والإفادة منها.