استهل الدكتور إسماعيل سراج الدين النقاش بالسؤال عن دواعي الاهتمام بقياس الذكاء، وتطور هذا القياس، فأفاد الدكتور قدري حفني أن هذا الاهتمام كان لأسباب عملية؛ فألفريد بينيه صاحب المقياس المعروف، وضع قياسه لدراسة حالات الأطفال المتعثرين في الدراسة وكيفية مساعدتهم. وجاءت جامعة ستانفورد وأفادت من هذا القياس لعمل قياس موضوعي للذكاء واكتشاف المبدعين وهو قياس "ستانفورد - بينيه".

وأضاف الدكتور ماجد موريس أن قياس الذكاء لم يكن له علاقة باكتشاف المبدعين، والمبدع لابد أن يكون ذكيًّا، وقد يكون مستوى ذكائه العام منخفضًا، ولكنه مبدع في جانب واحد. وأوضح الدكتور سراج الدين أن المعامل العام للذكاء هو امتحان يُقدم للأشخاص، ووفقًا لإجاباتهم يحصلون على درجات تُقاس وفق مقياس معياري للذكاء.

وعن علاقة قياس الذكاء بالأيديولوجيا، أشار الدكتور سراج الدين إلى العالم الفرنسي بول بروكا الذي كان مهتمًّا بقياسات أبعاد المخ، واستنتج أن مستوى الذكاء مرتبط بحجم المخ، وتبعًا لذلك، فالإنسان الأوروبي أكثر ذكاءً من الآسيوي والإفريقي. وهذه الاستنتاجات كانت متأثرة إلى حد بالأيديولوجيا الاستعمارية الغربية، وثبت خطأها علميًّا. وعلّق الدكتور موريس بأن هذه النظرة استخدِمت أيضًا للتمييز ضد المرأة، وأكد أنه عند الحديث عن الذكاء وعلاقته بالمخ، فنحن نركز على وظائف المخ لا أبعاده وأحجام أجزائه.

وتساءل الدكتور سراج الدين عن مدى نجاح الجهود العلمية فيما يتعلق بتعريف الذكاء، وأفاد الدكتور حفني أن هذا الجانب كان مشكلاً لدرجة القول بوجود ذكاءات وقدرات معينة، وقد عرف مقياس ستانفور- بينيه الذكاء بأنه "ما يقيسه مقياس الذكاء" وهو تعريف مَعيب؛ فمع تطوير معيار تطبيقي لقياس الذكاء تم الرجوع إلى عوامل خارجية كالتفوق المدرسي. وقد تم تطوير مقياس ذكاء لا يستخدم اللغة ويعتمد على الإشارات.

وجاء بعد ذلك مقياس ويكسلر - بيلفيو ليتجاوز قياس الأداء الدراسي، فهو مقسم إلى وحدات، يقيس كل منها قدرات معينة كالعمليات الرياضية والمعلومات العامة والقدرة على المقارنة. وتم تطوير مقاييس للذكاء تتعامل مع الفروق الثقافية بين البلدان، وبين قاطني الريف والحضر، كاختبار الشجرة والمنزل والرجل.

وعن علاقة هذه القياسات بالإبداع، أوضح الدكتور موريس أن الإبداع عملية تراكمية تحتاج إلى مجهود كبير ودرجة عالية من التلقي والإدراك والقدرة على إقامة العلاقات والخروج بأفكار جديدة، وشرح الدكتور سراج الدين أن الإبداع قد يكمن في طرح الأسئلة بطرق جديدة ومحاولة الإجابة عنها، كما كان الأمر مع نيوتن واكتشافه قانون الجاذبية. وفي هذا الصدد، ذكر الدكتور حفني أن اختبارات الذكاء يؤخذ عليها وجود إجابات معيارية جاهزة، ونظرًا لتعقد حالات قياس الذكاء، أصبح يؤخذ في الاعتبار تعدد الذكاءات وتحليل الإجابات الخاطئة، والتركيز على القياس النفسي للذكاء "السيكومتري".

وعادت الأيديولوجيا مرة أخرى للنقاش بسؤال الدكتور سراج الدين عن مدى قدرة الإنسان على تحسين مستوى ذكائه، وأجاب الدكتور حفني بأن نفي هذه القدرة يعني أن الذكاء موروث جينيًّا، وهو ما يعني أدلجته كما فعل ريتشارد هرنشتاين الذين زعم أن الأذكى في الولايات المتحدة هم اليهود الأشكناز، والأقل ذكاءً هم الزنوج. وأوضح الدكتور سراج الدين أن ستيفن جاي جولد رد عليه في طبعة جديدة من كتاب "سوء قياس الإنسان" الذي يشرح كيفية استخدام العلم لصالح الأيديولوجيا العنصرية.