الندوة العالمية الثامنة لتاريخ العلوم عند العرب بمكتبة الإسكندرية

تاريخ النشر

الإسكندرية في 28 سبتمبر – تحت رعاية الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، عقد في مكتبة الإسكندرية المؤتمر الدولي الثامن لتاريخ العلوم، والذي ينظمه مركز المخطوطات في المكتبة بالاشتراك مع معهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب، افتتح المؤتمر الدكتور نزار عقيل رئيس جامعة حلب بكلمة أثنى فيها على التعاون بين الجامعة والمكتبة، والدكتور يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات نيابة عن الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة الذي قال في كلمته أن الفعاليَّات التراثيَّة التي تقيمها مكتبة الإسكندرية تؤكد حرصَها على الالتزام بما أقرَّه مجلس أمناء المكتبة وأعلنته السيـدة الفاضلة سوزان مبارك قرينة رئيس الجمهوريَّة رئيـس مجلس الأمناء الدولي ، من أهداف أساسيَّة ، على رأسها العناية بالتراث والمخطوطات . كما أضاف أن المخطوطاتُ حظيت بمركزين أكاديميين من المراكز التابعة لمكتبة الإسكندرية ، هما مُتحف المخطوطات و مركز المخطوطات وفى كلّ منهما أقسامٌ ووحداتٌ متعدِّدة، يتناغم عملُها فيما بينها، سعياً لتحقيق خطط عمل طامحة إلى غايات نبيلة. منها : حفظُ التراث المخطوط ..تطويرُ العمل التراثي نشراً وتحقيقاً وفهرسة ..تأهيلُ الأصول المخطوطة لعبور الهوَّة الرقميَّة الفاصلة بين الشعوب والثقافات في العصر الحالي . بالإضافة إلى تأكيد الطابع الأكاديمي لمكتبة الإسكندرية .

وقد شهد القاصي والداني خطوات ملموسةً تم إنجازُها في مجال المخطوطات بمكتبة الإسكندريَّة ، فمن المجموعات الرقميَّة للمخطوطات النادرة إلى إصدارات مشروع النشر التراثي متعدِّد اللغاتِ إلى برمجيات المتصفَّح التخيليِّ إلى اقتناء وجمع عشرات الآلاف من المصورات الميكروفيلميَّة من كبرى مكتبات العالم ، وتحويلها مع الأصول المخطوطة إلى نُسَخ رقمية في إطار مشروع الأرشيف الرقمي إلى تطوير أعمال الترميم إلى تخصيص قاعات اطلاع للباحثين (المخطوطات الأصليَّة، الكتب النادرة ، الميكروفيلم ، المجموعات الخاصَّة) .. وغير ذلك الكثير من الفعاليَّات التراثيَّة والمشروعات الطموحة الهادفة إلى الارتقاء بالعمل التراثي، وآخرها المؤتمر الدولي (الأول) لمركز المخطوطات .وأخيراً أكد الدكتور زيدان على أهميةِ التواصل المثمر بين الباحثين المتخصِّصين في مجالات التراث العربي، من كل بلدان العالم، وأهمية الحوار بين الثقافات الإنسانيَّة كافةً لتأسيس وعىٍّ عميق بالماضي، نستند إليه في سعينا الحثيث نحو المستقبل .

أكد الدكتور/ علاء الدين لولح مدير معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب على ضرورة الحفاظ على التراث العلمي والثقافي العربي الذي ترك العرب والمسلمين وإعادة تأهيل المفيد منه بعد دراسته وفهمه واستيعابه وتطويره نحو الأفضل، والاستفادة منه لتطوير الحاضر وتجديده، واستشراف المستقبل، في إطار متوازن ومتكافئ، لا يطغي فيه الماضي على الحاضر،ولا يلغي فيه الحاضر الماضي، ولا يقف فيه الماضي حائلاً دون المستقبل.

جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها سيادته صباح اليوم خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر "الندوة العالمية الثامنة لتاريخ العلوم عند العرب: الجوانب المجهولة في تاريخ العلوم العربية" والذي يقيمه مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب.

وأضاف الأستاذ/ علاء الدين أن أعداد المخطوطات التراثية التي تم تدوينها من قبل المسلمين تدل على غزارة الإنتاج العلمي العربي وتنوعه، وتشير الدراسات إلى وجود من3-6 ملايين مخطوطة عربية موزعة في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه، وهذا الرقم يشمل المخطوطات العلمية وغير العلمية، ويشكل هذا الكم الهائل من المخطوطات أهم عناصر الكشف عن تراثنا الحضاري، من حيث أنها تعكس الجهود الإنسانية المبذولة منذ القرن الثاني الهجري، لفهم الكون والحياة والإنسان، ومعالجة ما يعترض سبيل استمرارية وتطوير الحياة الإنسانية.

وقدم الأستاذ/ علاء الدين رؤيته لهدف الندوة في عدد من النقاط الرئيسية تمثلت في ضرورة الحاجة إلى مشروع مشترك لتنسيق الجهود المبذولة لجمع وإحياء التراث العربي، بالإضافة إلى الجهود المؤسساتية والفردية في مجالات التراث العلمي العربي

وفي كلمته استعرض الدكتور/ محمد نزار عقيل رئيس جامعة حلب، إسهامات معهد التراث العلمي بالجامعة باعتباره المعهد الوحيد المتخصص بتاريخ العلوم العربية في سوريا والوطن العربي، حيث كشف عن الإسهامات والإبداعات العلمية المتميزة التي قدمها العرب والمسلمين للحضارة الإنسانية، بالإضافة إلى نشر الكتب التراثية العلمية، وإجراء البحوث العلمية في مختلف مجالات التراث العلمي العربي.

كما أشار الدكتور/ نزار عقيل أنه لا بديل عن البحث العلمي وتوطين التقنيات المتطورة لمتابعة الدور الحضاري في تطوير علوم ومعارف ذات هوية عربية، لأن العلم والبحث العلمي أصبحا ضرورة حياتية تمليها معطيات العصر واستثماراً بشرياً واقتصادياً من الدرجة الأولى، وبدون هذا البحث سيبقى العرب مستهلكين ومستوردين للعلوم والتكنولوجيا، ومهددين بالوقوع في تبعية علمية وتكنولوجية، ومن ثم اقتصادية، كما أوضح أن التراث جزء أساسي من الواقع في حاضرة وماضية، لأنه كذلك فهو جزء من مكونات الواقع، وتحليله يشكل تحليلاً لعقليتنا الراهنة، وتجديده إعادة تفسير له طبقاً لحاجات العصر، والكشف عن الجوانب العلمية والمعرفية فيه، وهو كشف لأروع الصفحات في حضارتنا، وإسهام في تعريف هذا التراث واغتنائه بالبحوث القيمة، الناقدة تارة، والعصرية تارة أخرى، آخذين التراث ككل، والجانب الحي منه بشكل خاص، بما يعطي للحاضر إضافته، ويحفز أجيالنا الحاضرة لمزيد من المتابعة والتجديد والإضافة، بما يرسخ ثقتنا بتراثنا، ويشد من عزيمتنا وتصميمنا على بناء الحاضر المواكب منجزات هذا العصر، والمستقبل المتفوق في عصر قادم، بما يتطلبه ذلك من إعداد جيل شباب بشكل جيد ليرفعوا راية أمتهم، راية العلم والحضارة، ووضع الخطط اللازمة لإحياء التراث العلمي العربي الذي بني على صرح معرفي ضخم، توهج وشع على الدنيا، وفاض على أوروبا في العصور السالفة.

كما أضاف أن تبعثر مصادر التراث العلمي العربي من أكبر الصعوبات التي تواجه عمل الباحثين والمختصين ذلك أن الفترة التي رافقت انهيار الدولة العثمانية شهدت انتقال قسم كبير من المخطوطات العربية إلى أوروبا لتزين مكتباتها بعيداً عن مكانها وبيئتها الطبيعية، أما ما تبقى في الدول العربية فهو موزع ومشتت، مابين الخزائن والتعقيدات التي تحول دون الوصول إليها وتحقيقها، الأمر الذي نجم عنه اقتصار ما حقق من تراثنا العلمي على جزء يسير جداً يكاد لا يعادل 1% من مجملة.

أشار المتحدثين أن عقد هذه الندوة في مكتبة الإسكندرية يحمل في طياته الكثير من الدلالات والمعاني، ذلك أن هذا الصرح الحضاري يذكر بالدور الذي قامت به تلك المكتبة كواحدة من كبرى المكتبات التي عرفها العالم القديم، وكانت بمثابة جامعة استمرت طيلة سبعة قرون مركزاً للبحث العلمي ومنارة للحضارة.


شارك