(الإسكندرية ٢١-٢٢ يونيو/حزيران ٢٠٠٤)
نظمت كل من المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنتدى الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية، بمشاركة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ندوة إقليمية عربية لبحث سبل تعزيز مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل دورها فى الإصلاح، شارك فيها ٨٠ مشاركاً ومشاركة من ستة عشر دولة عربية يمثلون ١٢ فرعاً من أفرع نشاط المجتمع المدني، ولفيف من الخبراء والمفكرين، كما تابع أعمالها مراقبون من بعض السفارات العربية والأجنبية والهيئات الدولية ذات الصلة, كما شارك محافظ الإسكندرية في الجلسة الختامية.
ناقشت الندوة, والتي عقدت في إطار المشروع الإقليمي حول التنمية البشرية وحقوق الإنسان في العالم العربي, بمقر مكتبة الإسكندرية: واقع المجتمع المدني، والتغيرات التى طرأت على دوره اتصالاً بسياق العولمة وتطور النظام السياسي الدولي، والإشكاليات والعقبات التى تواجه أداءه لدوره، ووضع مقترحات لتعزيز مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل دورها فى الإصلاح المنشود.
أكدت المناقشات على اعتبار هذه الندوة حلقة فى سلسة الجهود العربية الرامية لمواجهة التحديات التى تعترض مسيرة الإصلاح الديمقراطي والتنمية واحترام حقوق الإنسان على الساحة العربية، والتى كان من أبرز نماذجها فى الأشهر الأخيرة إعلان صنعاء ووثيقة الإسكندرية.
كما أكدت أن الإصلاح، بكافة أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية على رأس القضايا المطروحة على البلدان العربية جميعها، حتى وإن تفاوتت ظروفها, وأن الحاجة لهذا الإصلاح الشامل تأتى استجابة لضرورات وحاجات داخلية لم يعد من الممكن تجاهلها، مثلما هى تعبر عن إصرار على أن يتم هذا الإصلاح بأيدى شعوب المنطقة، وليس بأيدى أية قوة خارجية.
وخلص المشاركون إلى أنه لا يمكن تحقيق هذا الإصلاح بدون أن تكون هناك إدارة فعالة وكفؤة ورشيدة وخالية من الفساد، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف فى ظل نظام سياسي يرى أن الإدارة أداة إرضاء وتوزيع للمكاسب وليست أداة للإنجاز. كما لا يمكن تحقيقها فى ظل نظام سياسي لا يرتكز على سيادة القانون والفصل بين السلطات وحيادية مؤسسات الدولة فى ظل نظام تعددى تنافسي ديمقراطي.
فى قلب هذا الإصلاح، يقع تعزيز احترام حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة والتراتب، جنبا الي جنب مع جهود دعم المجتمع المدني العربي، وفق ما أقرته كافة الوثائق العربية الصادرة عنها.
ويرى المجتمعون أن حركة مؤسسات المجتمع المدني المعنية بتغيير الواقع العربي الراهن وترسيخ مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان تحتاج إلى دفعة قوية لتشجيع مساعيها فى تحقيق أهدافها ودعم قدراتها وتطوير علاقاتها فيما بينها، وتكييف طبيعة روابطها بالدول ومؤسساتها المعنية، وضبط إيقاع علاقاتها بالمؤسسات الدولية.
أولا: في مجال تعزيز قدرات مؤسسات المجتمع المدني :
أكد المشاركون على أهمية تعزيز القدرات المؤسسية لمنظمات المجتمع المدني من خلال رفع مستوى أداء العاملين فيها بالتدريب، والإفادة من التجارب المتقدمة فى هذا المجال، ودعم المؤسسات التى تعمل أو تنشأ فى ظروف ضاغطة وقاهرة على نحو ما يحدث فى فلسطين والعراق ومناطق النزاعات الاخري.
ضمان استقلالية هذه المنظمات وحريتها الكاملة فى ممارسة عملها وترقية أدائها على أساس تكامل الأهداف المشتركة.
أهمية التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني فى البلدان العربية بإقامة علاقة عضوية منظمة بينها، وتعزيز التعاون بين الشبكات الوطنية والشبكات القومية الفعالة فى مختلف المجالات، وذلك بتنسيق استراتيجيتها وتعزيز فاعليتها وخلق نوع من التراكم النوعي لأنشطتها المختلفة، وتكوين بنك للمعلومات فيما بينها، وتحريك آلياتها لتحقيق أهدافها فى دعم الديمقراطية والتنمية.
احترام تنوع مؤسسات المجتمع وتعزيز هياكل الحوار ووسائل الإعلام والتفاعل فيما بينها لتبادل المعارف والخبرات وتعزيز روح التضامن.
ثانيا: فى مجال العلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أوصى المشاركون بما يلي:
١- اطلاق الحريات المدنية والسياسية وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير, واحترام الحق فى حرية التجمع السلمي والحق فى حرية تكوين الجمعيات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني والانضمام إليها والمشاركة فيها, وترسيخ الضمانات القانونية التي كفلتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان واعمالها.
٢-إزالة العقبات التى تعترض المسار الطبيعي لتطور ونمو مؤسسات المجتمع المدني وفى مقدمتها قوانين الطوارىء وغيرها من القوانين والتشريعات المقيدة للحريات والمعوقة لتأسيس منظمات المجتمع المدني, وإطلاق سراح جميع سجناء الرأي, وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء السياسيين والنقابيين.
٣-ضرورة التكييف الصحيح للعلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني بالدول التى تعمل فى نطاقها بما يؤدى إلى تجاوز حالات التوتر، وخلق مناخ من الثقة والتفاعل بين السلطات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني، ورفع حالة الحصار والتربص التى تلاحق نشاط المؤسسات الداعمة لحقوق الإنسان.
٤-كفالة الآليات اللازمة لإشراك مؤسسات المجتمع المدنى فى عملية صنع القرار، وتطوير مجالات التعاون بينها وبين مؤسسات الدولة على المستويين الوطنى والإقليمي.
٥-العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال التعليم والإعلام والثقافة، وتعريب قواعد المعلومات، والعناية بترجمة عيون التراث الإنساني المعنية بالحريات المدنية والسياسية.
٦-مطالبة الحكومات العربية بالتوقيع والتصديق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أقرته في قمة تونس، ودعوتها لتطويره من خلال الملاحق والبروتوكولات لسد الفجوة بين أحكامه وبين المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
٧-تعزيز انفتاح الجامعة العربية علي مؤسسات المجتمع المدني, اتساقا مع تأسيس مفوضية المجتمع المدني لدي الجامعة العربية ومقررات القمة العربية الأخيرة بتونس, ودعم المفوضية للقيام بهذا الدور.
ثالثاً : علاقة مؤسسات المجتمع المدني العربي بالمجتمع الدولي:
١-أعرب المشاركون عن تقديرهم للتضامن الإنساني الذى أبدته العديد من شعوب العالم فى رفض العدوان الأمريكي البريطاني على العراق واحتلال أراضيه وانتهاك حقوقه الفردية والجماعية، وإدانته للعدوان الإسرائيلي المتصاعد على الشعب الفلسطيني وإنكار حقوقه الوطنية الثابتة وغير قابلة للتصرف, واغتيال قياداته، وابتلاع أراضيه، وعرقلة جهود التسوية السلمية، وفرض حلول عنصرية فى مقدمتها الاستيطان غير المشروع وجدار الفصل العنصري.
٢-أعرب المشاركون عن تضامنهم مع الشعب العراقي فى نضاله من أجل استرداد سيادته واستقلاله الوطني، وتصميمهم على مساندة ودعم مؤسسات المجتمع المدني الناشئة فى سعيها لبناء عراق حر ومستقل وديمقراطي.
٣-كما أكد المشاركون دعمهم لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية فى جهودها من أجل تأمين حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وتوفير الإغاثة الإنسانية, وكذا جهودها من أجل تطبيق اتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين تحت الاحتلال, وناشدوا المجتمع المدني العالمي دعم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في تحقيق أهدافها في الحرية ونيل الاستقلال, والتمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال والإرهاب.
٤-أبدى المشاركون تقديرهم للدور الذى تلعبه الأمم المتحدة ومؤسساتها فى دعم مشاركة مؤسسات المجتمع المدني العربي فى فعاليتها الأساسية. ودعوا إلى تعزيز برامجها التقنية لبناء قدرات مؤسسات المجتمع المدني العربي.
٥- دعوة مؤسسات المجتمع المدني العربية، لتعزيز مشاركتها فى فعاليات الأمم المتحدة والاستفادة من آلياتها وخاصة لجانها التعاهدية, وتشجيع المنظمات التى تستطيع ذلك إلى السعى للحصول على الصفة الاستشارية فى المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
٦- دعوة مؤسسات المجتمع المدني العربي لحشد جهودها لحث الحكومات العربية على الانضمام إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية التى لم تنضم إليها، ومطالبة تلك التى انضمت لتنفيذ التزاماتها القانونية المنبثقة عن هذه الاتفاقيات, ومراجعة تحفظاتها.
٧-أكد المشاركون ضرورة التفاعل على نحو إيجابي مع أى قوى وأطراف دولية تدعم قضايا الشعوب العربية وحقها المشروع فى تقرير مصيرها واحترام سيادتها ووحدتها الوطنية وبناء نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بحرية تامة.
رابعاً : آليات لتفعيل دور المجتمع المدني:
اقترح المشاركون الآليات التالية لتفعيل دور المجتمع المدني:
١-تأسيس منبر للحوار الاجتماعي يجمع مفاهيم الحوار والرصد والتضامن، ويكون واسطة العقد بين حلقتي الحوار الوطنية والدولية، ويكون من مهامه ما يلي:
أ-متابعة الحوار الاجتماعي القائم حول قضايا التنمية الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ب-توسيع نطاق مشاركة الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والإعلاميين وايلاء اهتمام خاص لمشاركة الشباب والنساء.
جـ-إصدار تقرير سنوى حول حرية المجتمع المدنى يتناول رصد أنشطته وتطوره وسبل تذليل العقبات التى تواجهه، ويكشف عن احتياجاته فى التدريب والدعم المالي والإعلامي وغيرها، والسبل المتاحة لتلبية هذه الاحتياجات.
د- أن يكون بمثابة بيت خبرة استشارى للمنظمات الأهلية.
هـ- التنسيق مع وسائل الإعلام بقطاعاتها المختلفة لحفز اهتمامها بمؤسسات المجتمع المدني ونشر الثقافة المدنية وعرض التجارب الناجحة بشكل دورى منتظم، وإثارة اهتمام الرأى العام بشأن قضايا مؤسسات المجتمع المدنى ودورها فى النهوض بالقضايا التى تمس الاهتمام المباشر للمواطنين.
٢-تأسيس معهد عربي مستقل لقياسات الرأى العام يقوم جهده على أساس علمي ووفق الأصول المرعية وإجراء دراسة معمقة حول خيارات تأسيسية من الناحيتين القانونية والعلمية ومصادر تمويله.
٣-إطلاق حملة لتأسيس صندوق تمويل عربي فى شكل وديعة أو وقفية لصالح عدد من قطاعات المجتمع المدني فى البلدان العربية التى تعاني من إشكاليات التمويل، خاصة خارج العواصم والمدن الرئيسية.
٤-دعم الدعوات الرامية الي تعزيز جهود الرصد في مجالات الحريات العامة والتنمية والمساواة وفي مقدمتها:
أ-إنشاء مرصد للحريات الصحفية والإعلامية يتولى إصدار تقرير سنوى يرصد الحريات الإعلامية فى ضوء مبادىء حقوق الإنسان.
ب-المبادرة إلى رصد المنظمات العاملة فى مجال التنمية الإنسانية، وتبادل المعلومات بشأن التجارب الناجحة فى إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر آلية منتظمة.
جـ-إنشاء آلية رصد دائمة فى مجال إعمال حقوق المرأة وتمكينها وضمان تمتعها بكافة حقوق المواطنة, تتولى نشر تقارير دورية وتدعيم التواصل مع اللجنة المعنية بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
٥-ضرورة بلورة إطار يستوعب اهتمامات الشباب العربي ، ويعزز حضورهم فى مختلف القضايا التى تهم بلدانهم، كما يعزز القضايا العربية من خلال حضورهم فى الملتقيات الدولية.
٦- دعوة مؤسسات المجتمع المدني إلي تعزيز مشاركة النساء فى مواقع القيادة والمشاركة فى صنع القرار, اتساقا مع دعوتها للنهوض بحقوق المرأة وإزالة كافة أشكال التمييز ضدها.
٧-تاسيس اطار للتعاون والتنسيق بين المنظمات الأهلية العربية ونظيرتها فى المهجر، خاصة فى ظل الظروف الراهنة التى تتزايد فيها الحاجة لدعم الجسور التواصل مع العالم الخارجي من خلال دور هذه الجاليات.
٨-دعوة الأمم المتحدة لإنشاء مركز إقليمي عربي لدعم الجهود الحكومية وغير الحكومية لتعزيز احترام حقوق الإنسان من خلال التدريب والتوثيق.
٩- تأسيس آلية متابعة لتنفيذ توصيات هذه الندوة بالتشاور مع الهيئات المنظمة لها من خلال إسناد مهام لبعض المنظمات المشاركة (أو مجموعات منها)، وتطوير مشروع حقوق الإنسان والتنمية الإنسانية الذى تنبثق عنه هذه الندوة كى يستوعب هذه الآلية.
وفي ختام الندوة وجه المشاركون الشكر للحكومة المصرية علي التسهيلات التي قدمتها لعقد هذه الندوة.
* * *