بدأ الدكتور إسماعيل سراج الدين بسرد موجز لسيرة نابليون، فقد وُلِد عام 1769، أي قبل الثورة الفرنسية بعشرين عامًا، وفي سن مبكرة ترك بلدته كورسيكا ليلتحق بالجيش الفرنسي، وتألق حتى أصبح جنرالاً حين بلغ الخامسة والعشرين، وقاد حملة على إيطاليا، ثم قاد الحملة الفرنسية على مصر وهو في التاسعة والعشرين، وعاد إلى فرنسا ليقود انقلابًا عسكريًّا ويصبح حاكم فرنسا "القنصل العام" وهو في الثلاثين من عمره، ثم بدأ سلسلة إصلاحات جذرية لنظام الدولة والجيش حتى أصبحت فرنسا أقوى دولة في أوروبا، وهزم الجيوش الأوروبية مجتمعة في معركة أوسترليز عام 1805 فتوّج نفسه إمبراطورًا لفرنسا.

وأبدى الدكتور سراج الدين دهشته لأن عدد المعارك التي انتصر فيها ذلك الشاب يفوق عدد المعارك التي انتصر فيها يوليوس قيصر وهانيبال والإسكندر الأكبر مجتمعين، لكن بعد سلسلة من التحالفات الأوروبية ضده استسلم عام 1814، وعُزِل في جزيرة إلبا لمدة سنة، ثم عاد لفرنسا محاولاً استعادة مجده، لكن فرنسا كانت محطمة تمامًا، فانهزم في ووترلو عام 1815واستسلم، فتم نفيه إلى جزيرة سانت إيلينا في حراسة 6000 جندي حتى مات سنة 1821. وقام ويل وإيريل ديورانت بتسمية أحد أجزاء كتابهما "قصة الحضارة" بـ"عصر نابليون"، وذلك لأهمية تأثيره وهيمنته على تلك الفترة.

ثم تساءل الدكتور سراج الدين عن موقع نابليون من الحضارة الفرنسية فأوضح الدكتور الكردي أن للحكام المستبدين وجهين: أحدهما للبناء، والآخر لهدم الصرح الكبير الذي بنوه. ومن الناحية الإيجابية فقد ساهم نابليون في تأسيس فرنسا الحديثة.

ولكن الدكتور إسحاق عبيد أضاف أن والده كان محاميًا فاشلاً ضعيف الشخصية. ومن المنظور الفرويدي أثّر ذلك في شخصيته، وطبعها بهذا الطابع الدموي. بالإضافة لذلك، كان هذا الفتى الملتحق بالأكاديمية العسكرية الفرنسية شديد الغرام بالتاريخ، وكان مولعًا بالإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وشارلمان. لكن الدكتور سراج الدين أكد أنه رغم أن الثورة الفرنسية لم تحقق شعارها، وانزلقت إلى فترة دموية عنيفة، كما قامت الثورة بتغيير كل شيء حتى التقويم السنوي، وحطمت الكنيسة واستولت على أملاكها... نابليون وليد هذه اللحظة؛ ومن مزاياها تصعيد الشخصيات الفذة بسرعة ليصبحوا قادة فرنسا بعد سقوط نبلائها.

وتساءل الدكتور سراج الدين: لماذا أحضر نابليون معه 167 عالمًا ومطبعة حروف عربية؟ ولماذا أسس الـمَجمع العلمي المصري؟ أوضح الدكتور إسحاق عبيد أن نابليون نشأ في ظل الثورة الفرنسية التي أسست ما يسمى "عبادة العقل"، وذلك بعد أن اكتوت فرنسا بنار البابوية والإقطاع ومحاكم التفتيش. كما أن الحكومة الجمهورية شعرت بعظمة طموحه فأوحتْ له بالسفر لمصر أملاً في أن يُقتل هناك. واتفق الدكتور سراج الدين مع الدكتور عبيد حول ذكائه الشديد حين أعلن للمصريين بطريقة سينمائية مؤثرة أنه يؤمن بالله وبالنبي - ص -. ومع تطور الأحداث أدرك نابليون أنه يجب أن يغادر مصر قبل أن يضطر للاستسلام المهين للإنجليز، وكان قد ترك أخاه عضوًا في البرلمان الفرنسي، واتفق معه على أن يرسل له إشارة حين يكون الموقف في باريس مواتيًا للاستيلاء على الحكم، وحين جاءته الإشارة عاد لفرنسا واستولى على الحكم وبدأ سلسلة من الإصلاحات. لذلك يعرف الفرنسيون نابليون على أنه شخصان: الأول هو بونابرت الجنرال الشاب في الجيش الفرنسي، والثاني هو نابليون الإمبراطور. ومن الطريف أن عالمًا فرنسيًّا قال إنه يحب بونابرت ويكره نابليون.

كما شرح الدكتور فايز حسين أنه بدأ بوضع القانون المدني الفرنسي، الشهير بـ"كود نابليون" عام 1804، فكان له تأثير هائل على التشريع القانوني العالمي. وقد اعترف نابليون بأن مجده العسكري سيزول، لكن مجده الخالد هو هذا القانون. وذكر الدكتور سراج الدين أن نابليون وحّد النظام التعليمي وعمّمَه في فرنسا كلها، وأنشأ نظام الدواوين، ووضع القانون المدني الفرنسي، لكنه حقق كل ذلك في فترة قياسية.