بدأ الدكتور إسماعيل سراج الدين باستعراض سريع لتاريخ الحملة الفرنسية وحضور العلماء الفرنسيين معها، وإنشاء نابليون للمجمع العلمي المصري عام 1798 م على غرار المجمع العلمي الفرنسي، حيث ضم مكتبة كبيرة وورشة ميكانيكية ومرصدًا فلكيًّا وحديقة حيوانات ونباتات. وبعد رحيل العلماء الفرنسيين تركوا ثمرة عملهم وهو كتاب "وصف مصر" الذي صدر في عشرين مجلدًا.

ثم يتساءل الدكتور سراج الدين: هل تجربة كتاب وصف مصر هي صدام ثقافات أم حوار حضارات، وأجاب الأستاذ لوش بأن فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر اعترفوا بفضل الشرق في بعض المنجزات الحضارية، وكان هناك أوروبيون يأتون لزيارة مصر، وكانت هناك رغبة في اكتشاف مصر، وهذا أحد أسباب الحملة الفرنسية التي جاء معها العلماء.

وهنا أوضح الدكتور خالد فهمي أن هناك فهمًا خاطئًا شائعًا لدى البعض بأن مصر قبل الحملة الفرنسية كانت بلا حضارة، وهذا غير صحيح على إطلاقه، لكن لابد أن نعترف بأن الثلاثين سنة السابقة على الحملة كانت بالغة القسوة بسبب الفيضانات وما تبعها من انتشار الأمراض والمجاعات، ثم اقتتال المماليك فيما بينهم، لكن ذلك لم يكن حال الفترة العثمانية كلها، وقد زعمت الحملة الفرنسية أنها جاءت لتخلّص مصر من نير العثمانيين، لكن الجبرتي ذكر في تأريخه كيف اكتشف المصريون زيف هذه الادعاءات، وحكى عن ثورات مختلفة في مصر ضد الحملة، قامت في الريف، خلافًا لثورة القاهرة الأولى والثانية المعروفتين لدينا.

ثم تطرق الدكتور فهمي إلى لحظة تاريخية مهمة يذكرها كل من يتحدث عن علاقة الشرق بالغرب، وهي لحظة زيارة الجبرتي للمجمع العلمي المصري، وانبهاره ووصفه للمكتبة والخرائط والمرصد الفلكي والتجارب العلمية والآلات. لكن الدكتور سراج الدين يستدرك بأن محمد علي حين تولى مصر عام 1805 لم يكتف بالانبهار بل قام بتوظيف هذا التطور العلمي الفرنسي في المشروع العلمي المصري، كما أرسل مبعوثين لفرنسا ليتعلموا. لكن الدكتور فهمي عاد ليؤكد على أن معظم التاريخ المصري لهذا العصر كان من وجهة نظر النخبة - بمن فيهم الجبرتي - وليس العامة.

ثم تساءل الدكتور سراج الدين عن أثر وصف مصر في نشأة علم المصريات، فأجاب الأستاذ لوش بأن حجر رشيد اكتُشف أثناء الحملة، وكذلك غيره من الآثار المهمة، التي عكف العلماء عليها بعد عودتهم لفرنسا؛ وهو ما أدى لاكتشاف شامبليون للخط الهيروغليفي عام 1822. وقد أضاف الدكتور أيمن فؤاد أن اهتمام الفرنسيين بوصف مصر كان غير مسبوق.

ثم أشار الدكتور سراج الدين إلى قيام مكتبة الإسكندرية بترجمة ونشر كتاب وصف مصر رقميًّا على أسطوانة (دي في دي) بإشراف الدكتور مجدي ناجي والدكتورة نهى عدلي التي تحدثت عن هذه التجربة، فقد وصل الكتاب في 11 مجلدًا من اللوحات، وكان تنسيقها متفردًا تمامًا، بحيث احتاجت كل صفحة إلى معاملة خاصة أثناء رقمنتها، بالإضافة إلى 9 مجلدات من النصوص تحتوي على 7500 صفحة تقريبًا، وقد تم التعامل معها أيضًا بعناية فائقة للمحافظة عليها.

وقد أشاد الدكتور سراج الدين بالترحيب العالمي بهذا العمل. وشرحت الدكتورة نهى عدلي أن المرحلة التالية من المشروع كانت إتاحته على الإنترنت، بهدف الحفاظ على التراث مع نشره على أوسع نطاق. وتمثل التحدي في الحجم الهائل للصور حتى تكون واضحة التفاصيل، ولذلك استخدام فريق العمل إحدى التقنيات الحديثة التي تتيح التفاصيل بشكل جزئي وفق رغبة المستخدم، لتكون الصور متاحة حتى لمستخدمي السرعات البطيئة للإنترنت. والتحدي الآخر كان كيفية البحث داخل هذا الكم الهائل من الصفحات والصور، حيث قام الفريق بإنشاء محرك بحث صرفي للصفحات ولتوصيفات اللوحات، مع إتاحة البحث عن جملة كاملة مثلاً؛ مما يسهل البحث تمامًا لأي مستخدم.