اختتام فعاليات "المؤتمر الدولي لإدارة التراث المشترك لدول حوض البحر المتوسط"

تاريخ النشر

الإسكندرية في 31 مارس 2005— نظم مركز دراسات الإسكندرية والبحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع المعهد الفرنسي لبحوث التنمية، وكلية الهندسة جامعة القاهرة، ومركز التراث العالمي باليونسكو، والاتحاد الأوروبي خلال الفترة 29-31 مارس 2005، مؤتمراً بالمكتبة تحت عنوان "المؤتمر الدولي لإدارة التراث المشترك لدول حوض البحر المتوسط"، والذي شارك فيه أكثر من مائتي باحثاً عربياً وأجنبيا من المختصين بالحفاظ على التراث من جميع دول حوض البحر المتوسط شماله وجنوبه من بينهم؛ السيدة نيكول رفييل، الخبيرة العلمية بالمفوضية الأوروبية، والسيد رون فان اويرز، مركز التراث العالمي باليونسكو، والسيدة جليلة القاضي، مدير البحوث بمعهد بحوث التنمية، والأستاذ الدكتور علي رأفت أستاذ العمارة بجامعة القاهرة.

هدف المؤتمر إلى تجسيد فكرة التراث المشترك لدول حوض البحر المتوسط التي تجمعها الحضارة والتاريخ المشتركين، كما هدف إلى وضع إستراتيجية مستقبلية لإدارة والدفاع عن هذا التراث معتمدة على شبكة واسعة من العلاقات الدولية.

تضمن المؤتمر على مدار ثلاثة أيام جلسات عمل ناقشت أوراق بحثية حول كيفية الحفاظ على كنوزٍ التراث المعماري والأثري المشترك لدول حوض البحر المتوسط. وإلى جانب هذه الأوراق استعرض المشاركون عدة أبحاث كان من أهمهما بحث للدكتورة/ سهير زكي حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية، كلية الهندسة- جامعة الإسكندرية، بعنوان "حماية الأحياء التاريخية كضرورة ثقافية"، ألقت فيه الضوء على أهمية المناطق التراثية وحتمية الحفاظ عليها، ومما تتطلبه من ارتقاء الفكر الفلسفي الذي يلبي مفاهيم الحفاظ بكل أبعاده ليضع مفهوم الحفاظ الحضري في صدارة أولويات التنمية تطبيقاً على مدينة القاهرة باعتبارها من أقدم المدن التاريخية الغنية وصاحبة مخزون حضاري متنوع وعظيم. فعندما نؤرخ للعمران، مهم جداً ألا نفصله عن أركانه الثلاث الذي انصهر وتشكل من خلالها؛ فالعمران بنسيجه وطابعه وعناصره، ما هو إلا تعبير مادي عن الزمان الذي نشا فيه، والمكان الذي تأثر بمقوماته الطبيعية، والإنسان الذي تحكم وسيطر بخلفيته الثقافية والاجتماعية في تشكيله وإبداعه ليضفي عليه خصوصيته وملامحه المتميزة. في النسيج العمراني كالبصمة التي لا تتكرر، وإنما فقط قد تتشابه. فإذا وصل الإنسان والمجتمع إلى حالة مشبعة من الإبداعات المرتبطة بعصر ومكان، فإن تحولات المجتمع، واختلاف تكنولوجيا العصر تتدخل للخروج عن النمط والمألوف، ويبدأ الاختراق ويحدث التطور، فالإنسان والمجتمع لابد أن يعيشا عصرهما ولكن تحت أي دعوة من التحديث والتطوير، يجب عدم المساس بالأصول واحترام ما خلفه السلف من مخزون حضاري تراثي.

أيضا قدم المهندس سمير الرنتيسي، مدير مشروع إعادة اعمار مدينة الخليل بفلسطين، عرض عن المشروع والذي بدأ العمل فيه عام، 1995 والذي لا يزال مستمراً حتى الآن، وهو مشروع يضم مجموعة موظفين وسكان محليين مهتمين، ومؤسسات غير حكومية أخذوا على عاتقهم مسئولية الحفاظ على، وتحسين البيوت التاريخية والنسيج العمراني. وقد تم حتى اليوم ترميم 127 مسكناً و25 متجراً والعمل جاري في 95 مبنى آخر.

وكان لمشروع إعادة إحياء مدينة الخليل القديمة تأثيراً إيجابياً اقتصادياً على المدينة، فالمتاجر الواقعة تحت البيوت المرممة التي أعيد إشغالها أصبحت مرة أخرى مراكز تجارية نشطة، كالأسواق. وهكذا وبسبب الإحساس بالكرامة واهتمام المجتمع المحلي فقد عادت الحركة والصحة إلى البلدة التي كانت مهجورة ومتهدمة. وبذلك تم إنقاذ العمارة المتميزة لبلدة الخليل القديمة.

وضح المهندس سمير الرنتيسي أن مدينة الخليل تعد مركزاً دينياً مهماً لكل من الأديان الإسلامية واليهودية والمسيحية وبحكم موقعها على طريق الحج المتجه إلى مكة فإن للمدينة تاريخ طويل ومضطرب، وهي اليوم مدينة تضم 126,000 مواطن. وقد توسعت بشكل كبير خارج حدودها القديمة. كانت بلدة الخليل القديمة قبل التواجد الإسرائيلي عام 1967 تضم 10,000 نسمة. وقد أدت الصراعات المتلاحقة إلى إخلاء جذري للمدينة القديمة، وأصبح 85% من البيوت الحجرية التاريخية مهجوراً. ونتيجة لتركها فارغة وغير مطروقة فقد آلت الأبنية إلى الإهمال.

كما قدم الدكتور جلال عباده أستاذ العمارة بجامعة عين شمس بحث بعنوان " نحو مفاهيم مشتركة لتوثيق العمارة المصرية المعاصرة". حاول فيه أن يقدم قراءة ومناقشة نقدية لأهم المناهج والأساليب التي اتبعت في توثيق تراث القرن التاسع عشر في ضوء المواثيق والمفاهيم الدولية. كما قدم البحث مقترحات لإرساء مفاهيم مشتركة لعمليات توثيق تراث العمارة المصرية المعاصرة حيث شهد القد الأخير من القرن العشرين نمو متزايد لتوثيق ونشر تراث العمارة المصرية وبصفة خاصة تراث نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في أقاليم ومدن مصرية متفرقة. وقد عني البحث باعتبار خاص في أعمال التوثيق كلا من مباني وسط مدينة القاهرة، ومناطق القاهرة التاريخية، وبعض النماذج المعمارية والمناطق الأثرية بمدينة الإسكندرية. وفي البداية خضعت مفاهيم توثيق ونشر التراث المعماري المصري للاجتهادات الفردية لرواد وأفكار كان لهم تأثيرهم الهام في حصر وتسجيل جانب كبير من تراث القرن التاسع عشر والقرن العشرين. إلا ان تزايد الاهتمام بالتراث المعماري المصري المعاصر أدى إلى نشأة كيانات مؤسسية متخصصة لتوثيق تراث القرن التاسع عشر والاهتمام بالحفاظ عليه، مما أدى إلى ظهور العديد من التباينات التقنية في عمليات التوثيق قد ينتج معها صور مزيفة أو خادعة للقيم التراثية، مما قد يشتت الهدف الأصلي من هذه الجهود المتنامية.

أيضاً قدمت الدكتورة شادية طوقان، مديرة "برنامج إعمار البلدة القديمة في القدس" الذي أسسته مؤسسة التعاون الفلسطينية المستقلة عام 1995، عرض لفكرة البرنامج والتي تدور حول تنفيذ مشاريع لإعمار البلدة القديمة في القدس من خلال القيام بمسح واسع للتعرّف على المباني ذات الوضع الأكثر خطورة ووضع اقتراحات لإعادة تأهيلها. ويتم اختيار المباني إما للترميم الطارئ أو الترميم الكلي. والترميم الطارئ، في العادة، عبارة عن تدخل سريع ومحدود لحل مشكلات تتسبب في مخاطر حالية صحية أو متعلقة بالسلامة وتتطلب تدخلاً عاجلاً، كما في حال عدم استقرار الإنشاء أو تسرب المياه. وتتنوّع مدة المشاريع من حوالي ثلاثة شهور لمنزل صغير إلى عدّة أعوام للمشاريع غير السكنية. ويتم تنفيذ العمل في المباني ذات القيمة المعمارية والتاريخية ببطء وحساسية، وتتخَذ بشأنها القرارات بعناية فائقة. دار الأيتام هي مثال على المشاريع غير السكنية ذات القيمة المعمارية التاريخية، وهي عبارة عن مجمّع يحوي خمسة مبانٍ صرحيّة من الفترتين المملوكيّة والعثمانية، ومن ضمنها مطبخ للحساء ومخبز أنشأتهما زوجة السلطان سليمان. ويتم حالياً تطوير هذا المجمّع التاريخي على مراحل ليصبح مؤسسة تعليمية.

تتمِّم الجوانب الأخرى من البرنامج أعمال الترميم كي تضمن استدامة التحسينات. إذ يتم توفير التدريب للمعمارين والمهندسين والمقاولين والحرفيين من خلال دورات قصيرة ومنح تدريب ومنح جامعية في الخارج. وهناك برنامج للتواصل مع المجتمع ينشر الوعي بين العامة ويشجعهم على المشاركة في عملية إعادة التأهيل، كما يُصدر البرنامج منشورات وينظم لقاءات وورش عمل ومحاضرات للمدارس والمؤسسات الدينية وسكان المباني ومستخدميها. وهناك مكونات أخرى مقترحة للبرنامج: مركز معلومات، وبنك بيانات خاص بمؤسسات الحفاظ المعماري وبالمختصّين في هذا المجال، ومعهد القدس للحفاظ على التراث المعماري في فلسطين.

مع نهاية عام 2003، تمّ من خلال البرنامج ترميم اثنين وثمانين مشروعاً سكنياً وستة وعشرين مبنىً عامّاً وخمسة وخمسين مبنىً تجاريّاً، مما يوفر للسكان أوضاعاً معيشية مقبولة ويخلق حيّزات جديدة للمجتمع ويضمن المحافظة على النسيج التاريخي الغني للمدينة القديمة.

 
مشاركو المؤتمر   المعرض المصاحب للمؤتمر


شارك