في هذه الحلقة تناول الدكتور إسماعيل سراج الدين مع ضيوفه تطور الأدب البوليسي وارتباطه بأنواع أدبية وفنية أخرى كأدب الرعب والسينما، وأشار في بداية الحلقة إلى أن هذا اللون الأدبي الشائق مرّ بتطورات عدة، وكانت أهم محطاته الأولى أعمال الأديب الأمريكي إدجار آلان بو، وإن كان أول روافده المرتبط بالرعب قد بدأ مع روايات أوروبية كرواية ماري شيللي "فرانكنشتاين" التي تحكي عن عالم متألِّه يستخدم العلم ليخلق مسخًا ينتهي به إلى نهاية مدمرة، وهذه الرواية حملت الكثير من النقد الاجتماعي والإنساني العميق، وكانت بدايةً لتيار كبير من روايات العنف والرعب.

أما أعمال بو مثل "جرائم قتل في شارع مورج"، فقد بدأت معها تيمة المحقق البوليسي خارق الذكاء الذي يسعى إلى كشف خيوط جريمة ما، وأفادت الدكتورة نازك فهمي أن الصفحات الأولى من هذه الرواية تعتبر مانفيستو الكتابة البوليسية؛ إذ إنه يعطي أهمية لتحليل اللغز الذي يراه مستمدًّا من علم الرياضة، فكان هذا اللون الروائي الجديد تعبيرًا عن أهمية العلم في حياة الإنسان، وأضافت الدكتورة عزة الخولي أن بو كان شخصية شديدة التنظيم في كتابته السردية، وشديد الشاعرية في كتاباته الشعرية.

وتطورت هذه التيمة في نهاية القرن التاسع عشر على يد العديد من الأدباء البريطانيين مثل آرثر دونان كويل مبتكر شخصية "شارلوك هولمز" بالغة التأثير والحضور حتى اليوم في الأعمال السينمائية، كما ابتكر موريس لوبلان شخصية مماثلة تجتمع فيها اللصوصية مع التحقيق وهي شخصية أرسين لوبين، ويبلغ الأدب البوليسي قمته على يد أجاثا كريستي، التي استخدمت أدواتها اللغوية وقدرتها على الكتابة السهلة الممتعة في صياغة الألغاز واختراع شخصيات قادرة على حلها مثل بوارو ومسز ماربل، واستفادت من أسفارها مع زوجها الأثري في استلهام أجواء الشرق في عدة أعمال مثل "جريمة قتل في قطار الشرق السريع"، وغيرها.

وقد شهد رافد الرعب تطورًا كبيرًا بظهور رواية "دراكولا" لبرام ستوكر. وظهر تأثر البريطانيين بالشرق في رواية "دماء فو مان شو" لساكس رومر؛ حيث يواجه عبقري الشر الصيني القيم البريطانية الغربية. ومع تضافر رافدي الرعب وحل اللغز البوليسي، ظهر رافد ثالث يعتمد على الحركية والمغامرة بروايات إدجار والاس.

وظهر الرافد الرابع للرواية البوليسية من الأدب الأمريكي حيث ظهرت شخصية المخبر الخاص شبه المنبوذة، وهي التي تقوم بأعمال خاصة ومغامرات تدور على خلفية قيم معينة، وتمثل هذا الرافد في روايات داشيل هامت "الصقر المالطي" وروايات فيليب مارلو وميكي سبيلن. وتضافرت هذه الروافد مع ظهور فن السينما الذي تبناها وصنع منها في البداية "الأفلام السوداء". وأضافت الدكتورة نازك أن هذه الأجواء قد أفرزت نوعًا جديدًا من الأدب وهو رواية "الجريمة"، ومنها ما هو مرعب ليس لاعتماده على عناصر الرعب التقليدية، وإنما لاعتماده على حقائق مروعة كرواية ترومان كابوتي "بدماء باردة".

وأشار الدكتور سراج الدين إلى أنه ارتبط بظهور نوع آخر وهو "روايات القتل المتسلسل" كرواية جاكي ريبر ورواية "إم" لفريتز لانج، وتعتمد هذه الأعمال على حالة نفسية معقدة لدى المجرم، ويعتبر العمل السينمائي "سايكو" لألفريد هيتشكوك قمة هذا اللون الفني.

وفي الفترة الأخيرة تطورت الرواية البوليسية تطورًا أعادها إلى أعمال بو، وهو ظهور حلقات تليفزيونية مثل "سي إس آي" تحكي عن علماء في الطب الشرعي يستخدمون الاكتشافات العلمية المعاصرة لحل الجرائم، وتعتبر امتدادًا لمنهج بو في الكتابة، وكذلك ظهرت أعمال دان براون، التي تسعى إلى الكشف عن الجريمة وحل اللغز الذي يتجاوزها. وأضافت الدكتورة نازك أن مؤلفي الرواية البوليسية الحالية يقومون بأبحاث كبيرة لتحري المصداقية في أعمالهم، ولمراعاة دقة التفاصيل التي أضحى القارئ مطلعًا عليها، وهو ما أكد عليه الدكتور سراج الدين مختتمًا الحلقة بالحديث عن دور التطور الاتصالي حاليًّا في تطور أدب الرواية البوليسية وأدب الرعب.