الجدير بالذكر هنا أن الحضارة العربية عندما كانت تعيش عصرها الذهبي وتقترب من أوج عظمتها، لم يهتم باحثوها فقط بمصر القديمة، ولكن أيضًا اهتموا بالكتابة الهيروغليفية. فقد افترض العلماءالمسلمون أن مصر كانت أرض العلم والسحر والحكمة، ومن ثَم أرادوا تعلم الهيروغليفية للولوج إلى هذه المعرفة.
ويعتبر كتاب "الألفية المفقودة، مصر القديمة في كتابات العرب" للدكتور عكاشة الدالي من المصادر المهمة التي تبين بوضوح جهود العرب والمسلمين لدراسة وتطوير المعرفة التي ورثوها ممن سبقوبهم. وفي هذا الكتاب، يستكشف الدالي النواحي المختلفة لعلم المصريات، والتي أحرز فيها العلماء العرب والمسلمون اكتشافات عميقة بينما كانوا يحاولون فهم علوم وثقافة المصريين القدماء، كما يقوم الكتاب بتحليل عددًا من الكتابات التي خلفها الكتاب العرب عن المصريين القدماء، وقدم الدلائل على الاهتمام بعلوم المصريات من قبل المسلمين والعرب، وهو ما يبطل الفكرة الواسعة الانتشار التي تقول أن المسلمين لا يقدِّرون الثقافات والتقاليد التي كانت قبل الإسلام.
وقد عُثر في مكتبات عدة مثل المكتبة الأهلية بباريس وفي إستانبول على مخطوطات عربية تضم جداول تكشف المقابل الصوتي العربي لبعض العلامات الهيروغليفية (صور أرقام 1، 2، 3، 4). وتُظهر هذه المخطوطات تعرف ثلاثة باحثين عرب بنجاح على عشر علامات هيروغليفية والتي اعتقدوا أنها يمكن أن تشكل أبجدية صوتية.
الأهم هو أنه عندما كان الأوروبيون يعتقدون في القرون الوسطى أن العلامات الهيروغليفية ليست إلا رموزًا سحرية تمكن العلماء العرب من اكتشاف اثنين من المبادئ الأساسية للكتابة الهيروغليفية:
·(أولهما) أن بعض الرموز تعبّر عن أصوات.
·(ثانيهما) أن الرموز الأخرى تعبر عن معنى الكلمة بطريقة تصويرية.
ويمكن لنا أن نذكر مثالين لعالمين مسلمين لإثبات أن المعرفة بالكتابة الهيروغليفية كانت لا تزال حية عندما جاء المسلمون إلى مصر:
كان أولهما "أحمد بن أبي بكر بن وحشية"، وهو عالم عاش في العراق في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين وكتب في كل شيء من الكيمياء إلى البيئة فالزراعة وثقافات ما قبل الإسلام. وتمت ترجمة مؤلف ابن وحشية عن أنظمة الكتابة القديمة وعنوانه "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" إلى الإنجليزية ونُشر في لندن عام 1806 قبل أن يبدأ "شامبليون" عمله على حجر رشيد الذي استطاع به فك رموز الكتابة الهيروغليفية عن طريق قراءة النص المنقوش عليه بالهيروغليفية والديموطيقية واليونانية.
الشيء المهم أن المسلمين أدركوا أنها ليست صورًا كما كان سائدًا بين الكتاب الكلاسيكيين في أوروبا. فقد كان ابن وحشية أول باحث على الإطلاق يتحدث عن الرموز الدالة على المعنى.
أما الباحث الآخرفهو الصوفي "ذو النون المصري" الذي نشأ في صعيد مصر ببلدة أخميم في بداية القرن التاسع الميلادي عندما كان أغلب السكان المحليين لا يزالون يتحدثون القبطية سليلة لغة المصريين القدماء.
وما كان "شامبليون" ليستطيع فك رموزالهيروغليفية بدون معرفته للقبطية التي اندثرت من حياة المصريين اليومية في العصورالوسطى ولا توجد سوى في قداسات الكنيسة المصرية. والمخطوط الذي تم الحصول عليه يظهر أن "ذا النون المصري" كان يعرف القبطية وبعض الديموطيقية وبعض الهيروغليفية أيضًا.
(1)
(2)
(3)
(4)