التواصل العلمي: طوق نجاة الأجيال الجديدة

شارك

Cover Photo © Planetarium Science Center, Biblitoheca Alexandrina

لطالما كانت العلوم بالنسبة إلينا شيئًا مُبهمًا! فبينما أحبها البعض، لم يكُن كثير منا على وفاق معها؛ وخاصة في الصِغر. فكانت العلوم بالنسبة إلى معظمنا أمرًا صعبًا يحوي دائمًا كثيرًا من المعادلات والحسابات والقوانين التي تحتاج إلى مجهود شاق لفهمها وحفظها؛ إلا أننا لم نعلم أن المشكلة لم تكن قط في العلوم، بل في طريقة عرضها وشرحها. فالكارثة تكمن دائمًا في الوسيلة التي نريد أن نصل بها إلى الغاية؛ ألا وهي فهم ورؤية العلوم من منظور آخر! منظور الاستمتاع، والاستكشاف، وتذوق كل ما هو جديد بعيون أخرى. من هنا ظهر مصطلح ومفهوم جديد وهو «التواصل العلمي»، والذي هو بمنزلة طوق نجاة الأجيال الجديدة في فهم العلوم، والنظر إليها، والشغف بها.

لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن هناك عديدًا من الاكتشافات العلمية العظيمة التي لم يُكتب لها الظهور إلا بعد عقود طويلة؛ لأنه لم يكن هناك وسيلة تواصل قوية بين المـُكتشف وعامة الناس. ومثال على ذلك علم «تهجين النباتات» الذي عكف عليه العالم جريجور مندل؛ فقد نشر بحثه بعنوان «تجارب حول تهجين النبات»، ولكننا لم نعرف أهميته إلا في القرن التالي! وكذلك العالم ألكسندر فليمنج، صاحب اكتشاف مادة البنسلين؛ فلم يُعطَ الموضوع أهمية إلا بعد سنوات طويلة من رحيله!

والآن، ونحن في الألفية الثالثة، ومع كل التكنولوجيا التي بين أيدينا، صارت الأسئلة تحيط بنا في كل مكان. كذلك الأطفال وصغار السن يرغبون في معرفة كل شيء يحيط بهم وفهمه، وذلك بطرح مئات الأسئلة، إن لم تكن ألوفًا، عما يحيط بهم، بل بنا أيضًا الكبار؛ ولكننا لا نعرف لها إجابة علمية واضحة دون الدخول في التفاصيل التخصصية العلمية.

Photo © Planetarium Science Center, Biblitoheca Alexandrina

ومن ثم، ظهرت محاولات عديدة لتبسيط العلوم على مر الأعوام الماضية، إلى أن وصلنا إلى مُصطلح «التواصل العلمي»، ويعني تبسيط العلوم لغير المتخصصين فيها بالطريقة التي يحبونها ويفهمونها؛ أيًّا كانت كوميدية، أو مسرحية، أو بواسطة عروض مواكبة للعصر. فيوجد في دول العالم أشخاص متخصصون في تبسيط العلوم أو التواصل العلمي، ويعملون في الصحف والمجلات، ليست العلمية فقط، بل في الصحف والمجلات العامة. هدفهم تبسيط الظواهر والأمور التي تحدث حولنا في حياتنا اليومية، سواء كانت فلكية أو فيزيائية أو كيميائية، ولتوعية العامة أيضًا، وتصحيح المبادئ العلمية لديهم، وتغيير ثقافة فهم العلوم.

والتواصل العلمي أيضًا يهدف إلى الربط بين من يعملون في البحث العلمي ومجموعات مختلفة من العامة، وخاصة الأطفال والنشء والشباب؛ لتنشأ علاقات بين العلماء والأفراد، على عكس ما كان قديمًا. والآن، ومع تطور وسائل الإعلام وظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وغيرها، كان لا بد أن تنشط العلوم وتنتشر وتظهر للجميع؛ ليس للمهتمين بها فقط، بل أيضًا لمن هم في بُعد تام عنها.

يعتقد الباحثون أن التواصل العلمي يُعنى بالتوظيف المناسب للمهارات ووسائل الإعلام والنشاطات لإنتاج بعض الاستجابات للعلوم التي تشغل المجتمع وتحقيقها؛ كالتوعية بمواضيع العلوم المتجددة وقضاياها، مثل الاحتباس الحراري وتلوث البيئة؛ إلى جانب المتعة في عرضها كفن وكوسيلة للترفيه، والاهتمام بالانغماس التطوعي فيه، سواء بالعمل أو بنشره بالطرق المختلفة للتواصل العلمي. وأخيرًا، مساعدة المتلقين في تكوين آرائهم، واتخاذ قراراتهم أو تصحيحها، والفهم الواضح للعلوم بتبسيطها وشرح تطبيقاتها، ولدورها المجتمعي.

من هنا علينا أن نتعرف إلى بعض المتخصصين في هذا المجال، ومنهم عالم الفيزياء الفلكية الهولندي والتر هندريك جوستاف ليون الذي حصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية عام 1965، وعُين أستاذًا للفيزياء بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) Massachusetts Institute of Technology في الفترة 1966–2009. ليون له أسلوب بديع في شرح الفيزياء يجعل كل من يستمع إليه يلعب بالفيزياء، ويتفاعل معه بطريقة رائعة جدًّا تجعل الكل يريد أن يتابعه. ليون له عديد من المؤلفات، وحصل على عديد من الجوائز، وقدم عام 2011 مجموعة من حلقات برنامج NOVA العلمي، الذي أُذيع على قناة PBS العامة الأمريكية، وغيرها من البرامج التلفزيونية.

كذلك لا يمكننا أن نغفل العالم والمهندس والممثل الكوميدي ومقدم البرامج وناشر العلوم العبقري وليام ستانفورد ناي، الذي درس الهندسة بجامعة كورنيل وتتلمذ لكارل ساجان*. بدأ حياته كمهندس ميكانيكا، واشتهر بلقب «رجل العلوم»؛ لتقديمه البرنامج الشهير «بيل ناي رجل العلوم!» في الفترة 1993–1998، وكذلك لظهوره المتعدد في وسائل الإعلام كناشر ومبسط للعلوم.

أخيرًا وليس آخرًا، العالم الأمريكي والفلكي والكاتب ومُقدم البرامج التليفزيونية نيل دجراس تايسون، الذي أعاد برنامج «الكون» Cosmos لأستاذه كارل ساجان، وقام بتقديمه إلى جانب مجموعة من حلقات برنامج NOVA. وحاليًّا، يعمل تايسون باحثًا بقسم الفيزياء الفلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، ومديرًا للقبة السماوية التابعة للمتحف. 

أدعوك عزيزي القارئ إلى قراءة مقال «توصيل العلوم ما هو؟» لتعرف أكثر تاريخَ هذا المجال ورواده

ولأنني عملت في تلك المهنة لمدة عامين بمركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية، فإنني أستطيع القول إن مفهوم «التواصل العلمي» بمنزلة منقذ الأجيال الحالية والقادمة؛ لأنه سيكون لديهم أداة واضحة وسهلة – بل كوميدية ومضحكة في كثير من الأوقات – لفهم ما ظنناه يومًا صعبًا، وهو العلوم. ولهذا أناشد الآباء والأمهات الحريصين على الاستثمار في أبنائهم وتفتيح عقولهم، بأن يبحثوا على الإنترنت والتلفاز والمراكز العلمية في أي بلد كانوا على المنافذ الكثيرة للتواصل العلمي، والتي أصبحت متاحة في كل مكان. وأرجو الشباب أيضًا الذين يريدون فهم كثير من الأمور حولهم بأن يبحثوا عن منافذ التواصل العلمي المتاحة لديهم؛ لأنهم – وبكل بساطة – قد يجدون شغفهم الحقيقي هناك!

Photo © Planetarium Science Center, Biblitoheca Alexandrina

المصطلحات
*كارل ساجان: عالم فضاء أمريكي وكاتب، حقق نجاحًا كبيرًا في الكتابة عن كثير من علوم الطبيعة.

المراجع

Jane Gregory & Steve Miller, Science in Public
Laura Bowater & Kay Yeoman, Science Communication: A Practical Guide for Scientists
Sarah Perrault, Communicating Popular Science

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية