زراعة الأثاث

شارك

مع كثرة الطرق التي طوع بها الإنسان الطبيعة لصالحه، إلا أننا ما زلنا نستخدم الطرق ذاتها في استزراع الخامات في الغابات والحقول دون تغيير جوهري. ويُعدُّ استخدام الغابات في صناعة الأثاث استنزافًا لموارد الكوكب؛ إذ يقطع البشر نحو 900 مليون شجرة سنويًّا، وهناك نحو 92% من غابات العالم غير المحمية من الدمار. لذا تقع الغابات فريسة للحصاد غير المستدام، أو حتى غير القانوني. وهذا يعرض الأنواع البيولوجية للخطر، ويهدد حياة القبائل التي تعتبر الأرض موطنًا لها، إضافة إلى أنه يفاقم مشكلة الاحتباس الحراري. علاوة على ذلك، نحن نخصص موارد كثيرة لزراعة نباتات كاملة، في حين أن كل ما نستخدمه هو جزء صغير جدًا من النبات.

الأثاث «المزروع» بديل لخشب الأشجار!

لذا اقترح باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية زراعة الأثاث في المعمل، فقد نجحوا في زراعة أنسجة نباتية مستخرجة من نبات الزينيا سريع النمو، تحتوي على ألياف تشبه الخشب في بيئة معملية، دون الحاجة إلى تربة أو ضوء الشمس. وإنما زُرعت في أطباق معملية، ثم نقلت هذه الخلايا إلى مادة هلامية تعمل بمثابة سقالة، أو قالب للخشب النامي.

بعدها، أضاف الباحثون نوعين من الهرمونات النباتية، وهما الأوكسين والسيتوكينين، وتحكموا في مستوياتهما لتوجيه نمو الخلايا؛ فتكون بوليمر عضوي يعرف باللجنين. وهو موجود بشكل طبيعي في الخلايا النباتية، خاصة تلك التي يتكون منها الخشب واللحاء؛ ومع إنتاج اللجنين، نمت الخلايا، وكونت بنية صلبة شبيهة بالخشب.

تشبه هذه العملية الطباعة ثلاثية الأبعاد، مثلما أن زراعة الأنسجة النباتية تبدأ بالخلايا، وليس بالبذور؛ فهنا تطبع الخلايا نفسها مسترشدة بالهرمونات، وسقالات الهلام لتنمو إلى شكل معين. وتفتح قدرة التشكيل تلك الباب أمام عالم كامل من الفرص للأثاث. فيعتقد باحثو الدراسة أنه يمكن أن تنمو طاولة في المستقبل دون الحاجة لمواد كيميائية أو غراء أو مثبتات. لكن ما زال هناك كثير مما لا نعلمه حيال ما إذا كانت هذه العملية قابلة للتطوير؛ حيث تتطلب استثمارات مالية ضخمة، سواء من المبادرات الحكومية، أو المستثمرين من القطاع الخاص.

ومع تطوير هذه العملية، يمكن تخفيف بعض الضغوط من على غاباتنا وأراضينا الزراعية. فلن تعتمد هذه المواد النباتية المزروعة في المعمل على المناخ، أو مبيدات الآفات، أو الأراضي الصالحة للزراعة. هذا إلى جانب أن إنتاج الأجزاء المفيدة فقط من النبات سيوفر كثيرًا من المواد الزائدة، مثل اللحاء والأوراق وغيرها.

سيستمر الوعي المتزايد بالممارسات غير المستدامة، وأثرها في الكوكب في دفع الابتكار بهذه القطاعات. وعلى الرغم من أن أمامنا شوطًا طويلًا علينا أن نقطعه قبل أن يصبح الأثاث المصنع في المختبر حقيقة، إلا أن الأمر مثال على الإنجازات المذهلة التي حققتها العلوم والتكنولوجيا، ولمحة عن المستقبل المستدام لصناعة الأثاث.

المراجع

bbc.com
futurehuman.medium.com
news.mit.edu
singularityhub.com
sustainability-times.com
technologyreview.com
wired.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية