المقالات

أنا، وصحتي، والبيئة

شارك

تُعدُّ البيئة النظيفة أمرًا حتميًّا للحفاظ على صحة الإنسان وسلامته، ولكن يظل التعرض للملوثات البيئية مصدرًا رئيسيًّا يهدد الصحة بصفة عامة حول العالم.

من الصعب جدًّا تقييم التفاعلات المعقدة ما بين البيئة وصحة الإنسان؛ مما يجعل مبدأ الوقاية غاية في الأهمية. وأشهر تأثيرات البيئة في الصحة تنجم عن تلوث الهواء، وتدني جودة المياه، والتعرض للمواد الكيميائية السامة، وتغير المناخ، وتدهور البيئات الحضرية. ويُقدَّر أن هذا التأثير يكمن وراء 25% من نسبة الوفيات عالميًّا، بل تصل تلك النسبة إلى نحو 35% في بعض المناطق مثل إفريقيا جنوب الصحراء.

إن تلوث الهواء الخارجي المحيط تهديد بيئي رئيسي يؤثر على الجميع في البلدان المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 80% من الوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء كانت نتيجة الأزمات القلبية والسكتات الدماغية، بينما نجمت 14% منها نتيجة الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن أو التهابات الجهاز التنفسي السفلي الحادة، و6% نتيجة الإصابة بسرطان الرئة.

ويوجد ستة ملوثات شائعة للهواء؛ وهي: الملوثات الجسيمية، والأوزون الأرضي، وأول أكسيد الكربون، وأكاسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، والرصاص. ومن بين تلك الملوثات الستة، يُعدُّ كلٌّ من الملوثات الجسيمية والأوزون الأرضي أكثر الأخطار شيوعًا على الصحة. ويرتبط التعرض لتلك الملوثات بعديد من التأثيرات على صحة الإنسان؛ منها: تزايد أعراض إصابة الجهاز التنفسي، والخضوع لعلاج أمراض القلب أو الرئتين بالمستشفيات، أو حتى الموت المبكر.

ومعظم ملوثات الهواء من صنع الإنسان؛ وتنقسم إلى: ملوثات ناجمة عن مصادر «متحركة» مثل السيارات، وملوثات ناجمة عن مصادر «ثابتة» مثل المداخن. علاوة على ذلك، فإن انبعاثات الملوثات من المنازل في المدن المسموح باستخدام الفحم والأخشاب بها لأغراض الطهي والتدفئة تساهم في رفع مستوى تلوث الهواء في المناطق الحضرية.

فيعاني سكان البلدان محدودة الدخل ومتوسطة الدخل من عبءٍ غير متكافئ، إذ تقدر نسبة الوفيات المبكرة جرَّاء تلوث الهواء 88% من إجمالي 3.7 مليون حالة وفاة مبكرة بتلك البلدان. وأكثر الجهات تضررًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية هي غرب المحيط الهادئ وجنوب غرب آسيا.

ومن ناحية أخرى، يُمثِّلُ تلوث المياه –وهو أي تلوث للمياه بفعل مواد كيميائية أو أية موادَّ غريبة أخرى مؤذية للإنسان، والحيوان، والنبات على حدٍّ سواء– يُمثِّلُ أحد أكبر المخاطر على صحة الإنسان أيضًا. وتضم ملوثات المياه الأسمدة ومبيدات الآفات الزراعية التي تحملها مخلفات الري والزراعة، والرصاص، والزئبق، وغيرهما من المعادن الثقيلة؛ والمواد الكيميائية الآتية من المخلفات الصناعية؛ والملوثات الكيميائية الآتية من مواقع المخلفات الخطرة.

ويوجد نحو مليوني شخص حول العالم يشربون مياهًا ملوثة قد تضر بصحتهم؛ فحتى أكثر الجداول، والأنهار، والبحيرات نقاءً قد تحوي مُلوِّثات كيميائية. وقد تُحدِث المعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق تلفًا بالغًا في الأعضاء، كما تتداخل بعض المواد الكيميائية مع نمو الأعضاء والأنسجة متسببة في عيوب خلقية عند الولادة، وتتسبب أخرى في تحول الخلايا إلى خلايا سرطانية.

فتصل بعض الملوثات الكيميائية إلى المسطحات المائية من الروافد الجارية القادمة من الحقول الزراعية؛ مثل مبيدات الآفات الزراعية، أو مياه الصرف الآتية من المطابخ والحمامات بالمنازل والشركات. كما تتسرب تلك الملوثات إلى خزانات المياه الجوفية من مقالب القمامة وخزانات الصرف تحت الأرضية. وبعدما تصل إلى الخزانات الجوفية، فهي تلوث إمدادات المياه الجارية ويصبح من الصعب تنظيفها. وإضافة إلى ذلك، تحوي بعض المجاري المائية مخلفات إنسانية وحيوانية.

ومن الممكن أن تتسبب البكتيريا الموجودة بتلك المخلفات في الإصابة بالحمى، والتشنجات، والقيء، والإسهال. ومثل تلك الأمراض خطيرة على صحة الأطفال بصفة خاصة؛ بل في الواقع، فإنها تكمن وراء نحو 60% من وفيات الأطفال الصغار حول العالم. وعلى الرغم من أن محطات معالجة مياه الصرف الصحي قللت من الإصابة بالأمراض المتعلقة بالمياه، فإن الدول الأقل تقدمًا لم تزل تكافح من أجل الحصول على مياه آمنة. ففي بعض المناطق بالعالم –مثل بعض الأماكن بالهند، والصين، وإفريقيا– لم تزل الأمراض المتعلقة بالمياه سببًا رئيسيًّا لحدوث وفيات.

وفي العقود الأخيرة، ظهرت مجموعة كبيرة من الملوثات الحديثة؛ فعلى سبيل المثال، يتم إنتاج نحو أربعين مليون طن مربع من المخلفات الإلكترونية سنويًّا. وغالبًا ما يتم إعادة تدوير 13% من هذه الكمية في البلدان النامية؛ حيث تقوم البلدان النامية ذات الاقتصاد سريع النمو بالتعامل مع تلك المخلفات الإلكترونية الآتية من البلدان المتطورة ومن مستهلكيها. هذا، وتنتج دول الاتحاد الأوروبي نحو تسعة مليون طن من تلك المخلفات، والتي تتنوع من تلفزيونات، وهواتف محمولة، وغيرها من الإلكترونيات.

Air pollution in Beijing, 2013. Credit: Feng Li/Getty Images. Source: CNN.

تختلف مسارات التعرض باختلاف المواد والطريقة المتبعة في إعادة التدوير. بصفة عامة، يكون التعرض لمكونات المخلفات الإلكترونية الخطرة من خلال الاستنشاق، والبلع، والاحتكاك مع البشرة. وبالإضافة إلى التعرض المهني المباشر –سواء كان بصفة رسمية أو غير رسمية– فقد يتعرض الأشخاص لمواد المخلفات الإلكترونية، والملوثات المتعلقة لها من خلال التعرض للتربة، أو الغبار، أو الهواء، أو المياه، أو الأطعمة بما فيها اللحوم الملوثة بها. هذا، وتحرِّم اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها تبادل المخلفات الخطرة –بما في ذلك المخلفات الإلكترونية– بين الدول النامية والمتطورة.

إن عملية تغير المناخ لها تداعيات هامة على صحة الإنسان. وقد أظهر البحث العلمي أن درجة حرارة الأرض قد ارتفعت لرقم مقلق خلال السنوات القليلة الماضية. وسترتفع حرارتها أكثر على الأغلب إن لم نتوقف عن تلويث البيئة. وفي السنوات الأخيرة، لم تشتعل عديد من الغابات من جرَّاء شدة الحرارة فحسب، بل تأثرت صحة الإنسان تأثرًا بالغًا أيضًا. بل في الواقع، فإن صحة الإنسان تتأثر بتغير أنماط المناخ وغيرها من عوامل تغير المناخ. وتحدث تلك التأثيرات بشكل مباشر نتيجة للتغيرات التي تطرأ على درجة الحرارة، ونمط الثلوج، وحدوث الموجات الحرارية، والفيضانات، والجفاف، والحرائق. وبشكلٍ غير مباشر، فقد تتأثر الصحة نتيجة آثار تأذي النظم البيئة من جرَّاء تغير المناخ؛ مثل: فساد المحاصيل، وتغير أنماط ناقلات الأمراض، أو نتيجة لآثاره الاجتماعية؛ مثل انتقال المجموعات البشرية بعد فترات الجفاف الطويلة.

إلا أنه في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أنه أحيانًا ما يقوِّض الترويج لصحة الإنسان سلامة البيئة. فقد يكون لبعض الأفعال، أو السياسات، أو التقنيات المتبعة لتقليل معدلات الإصابة بالأمراض أو الوفيات، تأثيرات ضارة بالبيئة. على سبيل المثال، فإن إنتاج الغذاء أمر مُلح لاستدامة حياة الإنسان.

من شأن سوء التغذية أن يضعف من جهاز المناعة البشري، وأن يفاقم مشكلات صحية عديدة. فسنويًّا، يموت ستة ملايين طفل دون الخامسة نتيجة للمجاعات، كما يعاني مئات الملايين من سوء التغذية. غير أنه من الممكن أن يكون لإنتاج الغذاء تأثيرات سلبية على البيئة، بما في ذلك إزالة الغابات، وتدمير مواطن الكائنات، وفقدان أنواع حية، وتلويث الهواء والمياه.

وعلى الرغم من اختلاف التأثيرات البيئية للأنماط المختلفة لإنتاج الغذاء – ومنها أنماط صناعية وغير صناعية مثلاً – فإنها جميعًا تضرُّ بها. وعلى صعيد آخر، تعد الأمراض التي ينقلها البعوض؛ مثل الملاريا، مشكلة كبيرة للصحة العامة في العالم النامي. ولبعض الطرق المستخدمة في الحد من تلك الأمراض؛ مثل تجفيف المستنقعات، ورش المبيدات (خاصة الدي دي تي)، تأثيرات سلبية على البيئة مثل تدمير مواطن الكائنات والإضرار بالأنواع الحية.

ونهاية، تنتج عمليات الرعاية الصحية نفسها كمًّا هائلاً من المخلفات والتلوث الضار بالبيئة؛ فالمستشفيات تستهلك قدرًا هائلًأ من الكهرباء، والبترول، والفحم، والغاز الطبيعي. كما تنتج أطنانًا من المخلفات الطبية الخطيرة؛ مثل، القفازات، والضمادات، والحقن المستعملة، بالإضافة إلى بقايا الأنسجة والدماء التي تسهم جميعها في تلويث البيئة.

ختامًا، من المهم أن نفهم صور التلوث المتنوعة وما تسبب بها؛ حتى نتمكن من تحديد أمثل الطرق لإيقافها. وأغلب مصادر تلوث الهواء الخارجي خارج نطاق سيطرة الأفراد، وتتطلب تدخل واضعي السياسات في قطاعات النقل، وإدارة مخلفات الطاقة، والبناء، والزراعة على مستوى المدن، والدول، والعالم. وعلى الرغم من أن إدارة المخلفات الإلكترونية قد تحسنت كثيرًا في العقد الماضي؛ حيث سُنَّ كثير من القوانين والتشريعات في مختلف بقاع العالم، فإن الممارسات غير الرسمية لإعادة تدويرها لم تزل موجودة. وإن طريقة تطبيق هذه السياسات والتدابير بحسم عالميًّا لمشكلةٌ كبيرة.

يمكن أن يمثِّل الوقوف أمام التلوث في أية منطقة البداية، وأن يكون الإجراء الوقائي الأبسط للمشكلة. وذلك يدعو إلى جهود حثيثة ليتبنى الناس ممارسات وعادات جيدة، ولتنفِّذ الحكومات القوانين المناسبة محققة الامتثال الصارم لها، وخاصة من قبل الجهات الصناعية الملوِّثة.

المراجع

http://www.eea.europa.eu/themes/human

http://www.epa.gov/air/urbanair/

http://www.niehs.nih.gov/health/topics/exposure/water-poll/

http://www.dummies.com/

http://hubpages.com/hub/reduce-pollution


 هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد صيف 2014.


Banner image by ArtPhoto_studio on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية