ابقوا معنا: تاريخ الإذاعة

شارك

على مر التاريخ اعتمدت الاتصالات بعيدة المدى على وسائل المواصلات التقليدية؛ فكانت الرسائل تنقل على متن السفن، أو الجياد، أو الحمام الزاجل، أو في ذاكرة حاملها.

بدأت قصة الراديو مع ظهور وسيط سابق له هو التلغراف، وهو أول نظام لنقل الرسائل فوريًّا. وقد كانت فائدة التلغراف كبيرة ومهمة للغاية؛ فامتدت في أثناء النصف الثاني من القرن التاسع عشر الأسلاك عبر معظم أنحاء العالم، بما في ذلك كابل تحت البحر عبر المحيط الأطلسي (عام 1866) واصلاً بين أوروبا وأمريكا الشمالية.

وعلى الرغم من إنجازاته، كان الاتصال عبر التلغراف محدودًا؛ إذ اعتمد على بناء نظام معقد من محطات الاستقبال المتصلة ببعضها بأسلاك على مسارات ثابتة وصيانتها، كما استلزم التليفون الذي اخترعه الأمريكي جراهام بل في 1876 نظامًا أكثر تعقيدًا.

فمن المدهش أن ندرك أنه قبل ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان لم تكن موجات الراديو سوى نظرية، بل ونظرية محط جدل. وقد تنبأ بوجود الموجات الإلكترومغناطيسية لأول مرة جايمس كلارك ماكسويل في 1865؛ حيث طوَّر سلسلة من المعادلات الرياضية، والتي لم تتنبأ بوجود الموجات الإلكترومغناطيسية فحسب، بل أيضًا بأن الضوء المرئي نفسه ما هو إلا شكل من أشكال موجات الراديو عالية التردد.

وقد تأكدت توقعات ماكسويل بسلسلة من التجارب التي أجراها هاينريك هرتز في 1887 في معمله بألمانيا؛ إذ استخدم أجهزة بسيطة لخلق شرارات في منطقة الترددات العالية جدًّا عملت عمل الموصل. ولم يكن جهاز استقباله سوى مستطيل من الأسلاك به فجوة صغيرة؛ إذ ظهرت شرارات ضئيلة في تلك الفجوة كلما أطلقت الشرارة الأساسية.

كثيرًا ما تغفل حقيقة أن اكتشاف هرتز العظيم لم يكن إمكانية توليد تلك الشرارات الضئيلة عبر الغرفة؛ فحين أجرى تلك الاختبارات كانت تلك ظاهرة معروفة، ولكن كان يظن أنها نتيجة الاستقراء. فما أثبته هرتز من خلال سلسلة عبقرية من التجارب هو أن الإشعاعات المنطلقة من الشرارات لها هيكل موجي، وهي صفة لا تنتمي لمجالات التوليد، ولكنها تتفق مع الأشعة الإلكترومغناطيسية التي تنبأت بها معادلات ماكسويل.

في عام 1895، أرسل المخترع الإيطالي جوليلمو ماركوني برسالة بشفرة مورس تم استقبالها على بعد 3كم عن طريق جهاز استقبال غير متصل بالأسلاك بجهاز الإرسال الخاص بماركوني. هكذا أظهر ماركوني أن الإشارة الإلكترونية من شأنها التواصل عبر الفضاء؛ حيث يمكن لأجهزة الاستقبال التقاطها في أماكن غير محددة.

انتقل ماركوني إلى لندن في 1896 ليؤسس هناك شركة ماركوني البريطانية لتطوير اختراعه وتسويقه للاستخدام الحربي والصناعي. وفي غضون خمس سنوات كان يمكن إرسال إشارة لاسلكية عبر المحيط الأطلسي من إنجلترا إلى كندا المكتشفة حديثًا. وقد منح ماركوني جائزة نوبل في الفيزياء في عام 1909.

ولكن على الرغم من مجهودات ماركوني الخارقة، فلم يكن باستطاعة أحد بعد إرسال الرسائل غير النقاط والشرط التلغرافية. إلا أن هذا الأمر قد تغير عندما قام رينالد فسندن في 1906 بتوصيل جهاز إرسال تليفوني من الكربون في مجال يخرج من محول ألكسندري كان قد وضعه في محطة تلغراف ساحلية في ولاية ماساتشوستس. فاندهش عاملو الراديو على متن السفن بسماع آيات من الإنجيل وقراءات من الأشعار، وكذلك عزف فسندن نفسه على الكمان. هكذا أظهر فسندن نوعًا جديدًا من أجهزة الإرسال يمكنها توليد موجات مستمرة عكس النبضات المتفرقة الخاصة باختراع ماركوني وموجاتها غير المستمرة.

حثَّ نجاح الراديو شركات التكنولوجيا على الاستثمار بشكل كبير في أبحاث تطوير شكل جديد من الإذاعة سمي بالتليفزيون. وقد كان اختراع التليفزيون عملاً مضنيًا وقائمًا على التعاون؛ فكان من أوائل محطاته نجاح المخترع الألماني بول نيبكاو في إرسال صورة في عام 1884. وقد تم تطوير نظامه الميكانيكي، والذي عرف بالقرص الدوار، على يد العالم الإسكتلندي جون لوجي بايرد، والذي أذاع صورة متلفزة في عام 1926 لجمهور الأكاديمية الملكية للعلوم في لندن.

منحت أول براءة اختراع أمريكية لنظام تليفزيون إلكتروني كليًّا عام 1927 لفيلو فارنسورث الذي أرسل صورة لعلامة الدولار الأمريكي عن طريق أنبوب تشريح الصور الخاص به في معامل شركة فيلادلفيا لبطاريات التخزين. وقد كشفت شركة الراديو الأمريكية التليفزيون لأول مرة للجمهور الأمريكي بأسلوب فاخر في معرض العالم بنيويورك في عام 1939، مصحوبًا بنقل مباشر لافتتاحية المعرض بما في ذلك خطاب للرئيس روزفلت. وكانت توجد إذاعة تليفزيونية يومية من جناح الشركة؛ حيث دعي الزوار لتجربة التليفزيون كما منحوا فرصة السير أمام كاميرات التليفزيون ورؤية أنفسهم على الشاشات.

لقد غيرت الإذاعة شكل الحياة بصورة دراماتيكية أينما قدمت. فقد جلب الراديو، ومن بعده التليفزيون، الأخبار والمعلومات من جميع أنحاء العالم إلى المنازل. وكذلك أتاحا لعامة الجمهور فرصة اختبار أعمال الدراما والموسيقى المحترفة، والتي كانت فيما سبق حكرًا على النخبة. وقد جلبت الشبكات الإذاعية الأعمال الفنية الخاصة بالفنانين الموهوبين لجمهور عريض من الناس كانوا فيما سبق في معزل عن قاعات الحفلات والمسارح.

المراجع

autocww.colorado.edu

oldradio.com

smithsonianmag.com


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد خريف 2014 «كيف تعمل الأشياء».

Cover image by xb100 on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية