يؤثر الاحتباس الحراري في أجزاء كثيرة من العالم وبطرق مدمرة شتى. إلا أن التأثير العالمي الأول لتلك الظاهرة يتجسد في ارتفاع منسوب مياه البحار، والذي يتسبب بدوره في تبعات متتالية. فعندما يرتفع منسوب مياه البحار، تغطي المياه الأراضي المنخفضة؛ الأمر الذي سينتج عنه مشاكل جمَّة للنباتات والحيوانات والبشر على حدٍّ سواء. فعندما تغمر المياه الأراضي المنخفضة تموت النباتات وتفقد الحيوانات مصدر غذائها وأماكن رعيها التي تعيش فيها. وعلى الرغم من أن للحيوانات قدرة أفضل على التأقلم مع الأوضاع المتغيرة، فإنها أيضًا معرضة للموت. وعندما تفنى النباتات والحيوانات، سيفقد الإنسان مصدر غذائه الأساسي، كما يمكن أن يفقد سكنه أيضًا.
وتتأثر المحيطات بظاهرة الاحتباس الحراري بأشكال أخرى أيضًا؛ فعلى سبيل المثال، تؤدي المياه الدافئة التي يتسبب فيها الاحتباس الحراري إلى قتل الطحالب وهي مُنتِج للغذاء للعديد من المستهلكين من كائنات المحيط. كما أن الاحتباس الحراري هو السبب الرئيسي وراء حرائق الغابات الناتجة عن الجفاف القاسي، وتؤدي تلك الحرائق إلى تدمير الكثير من الغابات، وهي مشكلة ملحة أخرى ومثيرة للقلق؛ فكلما دُمِّرت الغابات، قل امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأكسجين.
يحدث الاحتباس الحراري نتيجة أسباب عدة، الكثير منها بفعل الإنسان؛ ولكن هناك أيضًا أسباب طبيعية وراء الاحتباس الحراري. أحد تلك الأسباب هو انبعاث غاز الميثان، والذي يعد أخطر غازات الصوبة الزجاجية، وذلك من السهول والأراضي الرطبة بالقطب الشمالي. كما تعد دورة التغير المناخي للأرض سببًا آخر من الأسباب الطبيعية للتغير المناخي، وتمتد عادةً حوالي 40.000 سنة.
مع ذلك، تأتي أسباب التغير المناخي الناتجة عن الإنسان على رأس الأسباب الأكثر ضررًا بالكوكب، بما في ذلك التلوث، وهو من أخطر تلك الأسباب. ويعد حرق الوقود الأحفوري من أهم أسباب التلوث؛ حيث ينتج عنه انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. بالإضافة إلى ذلك، يتسبب استخراج الفحم والنفط من باطن الأرض في انبعاث غاز الميثان أيضًا.
ومن الأسباب الرئيسية الأخرى للتغير المناخي، والتي هي من صنع الإنسان، الزيادة السكانية. فالمزيد من البشر يعني المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وكذلك إنتاج أكبر من الغذاء سيستلزم بدوره إنتاج واستخدام المزيد من الأسمدة، أي انبعاث مزيد من غاز الميثان في الجو. كما ستؤدي الزيادة السكانية إلى بناء المزيد من المباني؛ الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تدمير المزيد من الغابات والمواطن الطبيعية، وبالطبع استخدام أكثر لوسائل النقل التي تعمل بالوقود.
حقيقة أم خرافة؟
من المدهش أنه على الرغم من تلك الأدلة الدامغة، والتي تبدو مفزعة، فإنه يظل هناك أشخاص، بل وعلماء أيضًا، ممن ينكرون ظاهرة الاحتباس الحراري الجلية إلى حد اعتبارها خرافة.
فعلى الرغم من التوقعات بارتفاع مستوى سطح البحر من متر إلى تسعة أمتار بحلول عام 2100، فإن تلك المجموعة لا تعتبر ذلك موقفًا خطيرًا. فيستندون إلى أن مستوى سطح البحر قد ارتفع قرابة المترين خلال القرن الماضي من دون أن يؤثر ذلك على الإنسان. وعندما يتحدث نقاد ظاهرة الاحتباس الحراري عن ارتفاع سطح البحر الناتج عن ذوبان ثلاث صفائح جليدية كل عام، فإنهم يقولون أنه "إذا استمر الجليد في الذوبان على هذا المنوال، فسيحتاج الأمر إلى ألف عام ليرتفع مستوى سطح البحر 5 أمتار".
.jpg)
وبينما يعتقد المبشرون بمخاطر الاحتباس الحراري أن إعصار كاترينا والأعاصير الأخرى قد أصبحت أشد جرَّاء الاحتباس الحراري، فإن هناك الكثير من الخبراء على الجانب الآخر الذين يزعمون أن العواصف الشديدة أمر ليس بالجديد على الأرض.
وفي حين يقلق المهتمون بوقف ظاهرة الاحتباس الحراري حيال تقلص الجليد على جبل كليمنجارو، يعتقد آخرون أن هناك أسبابًا أخرى لذلك بخلاف الاحتباس الحراري. فيعتقد هؤلاء أنه من الضروري فهم كيفية تفاعل الأنهار الجليدية مع المناخ المحيط بها؛ فمع جفاف الهواء، حسب قولهم، يكون تقلص الأنهار الجليدية أمرًا طبيعيًّا.
وكما يزعم كثير من الأشخاص الذين لديهم مخاوف من الاحتباس الحراري أن تلك الظاهرة ستؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض مثل الملاريا، وذلك بالسماح للبعوض الحامل للمرض بالوجود في أماكن أكثر ارتفاعًا، يدرك آخرون وجود أسباب أخرى لانتشار الملاريا وما يشابهها من أمراض. ومن تلك الأسباب أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المنخفضة قد تكون لديهم مناعة ضد تلك الأمراض ولكنهم يحملونها معهم إلى المناطق الأكثر ارتفاعًا، كما أن ازدياد معدل إزالة الغابات يسهل من تكاثر البعوض، وكذلك يؤدي ازدياد البرك والخنادق إلى وجود بعوض أكثر.
الواقع أن هناك الكثير من الأسباب وراء الخلاف حول الاحتباس الحراري؛ ولكن في نفس الوقت، هل هي مخاطرة يمكننا أن نتحمل عواقبها؟
فَكِّر محليًّا وخُذ موقفًا عالميًّا
لسنوات عدة، نادى ناشطو البيئة العامة ﻠﻠ"تفكير عالميًّا واتخاذ موقفًا محليًّا". وقد بدأ الكثير من الأشخاص بالفعل في تغيير عاداتهم، وخاصةً في الدول المتقدمة؛ فأصبحوا يعيشون حياة خضراء أو صديقة للبيئة، تصل في بعض الأحيان إلى حد التطرف. فشرعوا في الاقتصاد في الاستهلاك، وإعادة التدوير، والحفاظ على الطاقة، وتشجيع المنتجات المحلية، وركوب الدراجات، والحد من استخدام السيارات الخاصة، والسفر بالقطار، وغيرها من العادات التي من شأنها التقليل من الانبعاثات الضارة. ولكن، للأسف فإن التأثير الكلي لمجموع تلك الجهود الفردية لا يستطيع بالمرة إبطاء وحش الاحتباس الحراري المستمر في النمو.
لذلك فإن ترك الأمر لإرادة المواطنين فقط لم يعد خيارًا؛ فيجب أن تُسَن القوانين والقواعد محليًّا وعالميًّا الآن وليس غدًا. ففي الواقع أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق المعقد يكمن في أيدي المجتمع الدولي ليقف وقفة رجل واحد في مواجهة تلك الكارثة.
إذًا، يقع الحل على عاتق الأمم، وليس الأفراد. فمثلاً، يكون للإدارة الجيدة للغابات والثروات النباتية أثر كبير؛ حيث تمتص الأشجار والنباتات غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعد أحد أسباب الاحتباس الحراري. فإذا عززت الدولة من غاباتها ومنعت إزالتها عشوائيًّا، سيبطئ ذلك من الاحتباس الحراري.
ومن الإجراءات الأخرى التي يمكن للدول أن تتخذها التركيز على كفاءة الطاقة؛ فكلما قل استخدام الطاقة، قلَّ الاحتباس الحراري تفاقمًا. فيمكن أن تحدد كل دولة معايير للكفاءة للسيارات والأجهزة، بل ويمكن أن يتم إعادة تصميم المدن؛ لتوفير أماكن لركوب الدراجات والمشي كوسيلة انتقال بديلة للسيارات.
كما أن استخدام مصادر بديلة للطاقة من شأنه أن يُحِدَّ من انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية؛ الأمر الذي يساعد على الحد من الاحتباس الحراري. فيمكن استبدال حرق الغاز أو الفحم لتوليد الكهرباء بالطاقة المائية أو الطاقة الشمسية أو طواحين الهواء. وفي الواقع، فقد بدأ الكثيرون في بناء طواحين الهواء في المزارع الموجودة في الأماكن النائية، وتعد تلك خطوة جيدة لمواجهة الاحتباس الحراري.
فالواقع أنه يمكن للأمم، بل ولابد، أن تأخذ خطوات أسرع لتعديل سياساتها؛ لتتماشى مع التغيرات المناخية على مدى السنين. فعندما لا ينمو محصول معين بشكل جيد بسبب برودة المناخ، يجب أن يتم استبداله في تلك المنطقة بمحصول آخر يمكنه مواجهة تلك الظروف المناخية. كما يمكن بناء قنوات لنقل المياه إلى المناطق التي تعاني من الجفاف.
وهناك العديد من الوسائل المختلفة التي يمكن للأمم أن تتبعها من أجل الوصول إلى أهدافها فيما يتعلق بالاحتباس الحراري. ولكن أولاً، يجب على الأمم تشريع القوانين الأساسية الآن؛ فعليها إلزام المواطنين باستخدام الأجهزة والوقود والمركبات صديقة البيئة. كما يجب عليها وضع شرط قانوني على صانعي السيارات يلزمهم بتقليل الانبعاثات الضارة التي تصدرها منتجاتهم.
المراجع
climate.nasa.gov
acoolerclimate.com
grist.org
portaec.net
switchboard.nrdc.org
automotive.shibbit.com
library.thinkquest.org
unfccc.int/meetings
buzzle.com
*هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2012.