آهِ لو كنتُ أطير

شارك

 

رغم أني قد بلغتُ منتصف الثلاثينيات، فإنني ما زلت أتذكر في كثير من الأحيان نشيدًا درسته في الصف الثالث الابتدائي وأغنيه، كان عنوانه «آهِ لو كنتُ أطير». وكانت كلماته:

آه لو كنت أطير مثل عصفور صغير .. آه لو كنت أطير .. كنت أعلو في الهواء طائرًا نحو السماء .. ثم أمضي في الفضاء أنظر الكون الكبير.. آه لو كنت أطير .. كنت أحيا في صفاء بين أغصان وماء .. في حمى رب السماء حيثما شئت أسير.. آه لو كنت أطير.

قد تبدو حياة الطيور مثالية فعلًا، إلا أن كثيرًا منها يواجه تهديدات خطيرة. فوفقًا لمنظمة بيردلايف إنترناشونال BirdLife International –وهي مؤسسة عالمية رائدة في مجال حماية الطيور– يوجد أكثر من 11.000 نوع من الطيور على الكوكب، إلا أن أعداد الطيور تتناقص بوتيرة صادمة. فمن بين كل ثمانية أنواع يوجد نوع مهدد بالانقراض؛ فقد صنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة 223 نوعًا من الطيور في فئة الأنواع المعرضة لخطر الانقراض للغاية.

للطيور أهمية كبيرة في نظمها البيئية، ومن ثم في الحياة على كوكب الأرض كله. ولأن الطيور عادة ما توجد قرابة قمة السلاسل الغذائية في مواطنها، فإنها تكون مفيدة جدًّا في تقييم حالة التنوع الحيوي في تلك المواطن. فتشير التغيرات في كثافة أعداد الطيور في منطقة ما إلى وجود تغيرات بيئية جمة فيها.

بالإضافة إلى هذا، تؤدي الطيور دورًا محوريًّا في التحكم في أعداد الحشرات في النظم الطبيعية. ويأكل كثير من الطيور القمَّامة جِيَف الحيوانات؛ فتنظف تلك الفضلات وتحولها إلى المغذيات الضرورية لبقاء الحياة، إلى جانب منع انتشار الأمراض القاتلة. تنشر الطيور أيضًا البذور وتلقح قرابة 5% من النباتات التي يستخدمها البشر للغذاء وصناعة الدواء.

إن حماية الموائل من التدابير المعروفة في مجال حماية الحياة البرية عامةً، وليست الطيور باستثناء من هذا. إلا أن الطيور –على عكس معظم الحيوانات– تتحرك دائمًا؛ إذ تعدُّ الهجرة السنوية جزءًا أساسيًّا من دورة حياتها. تحلق الطيور عشرات آلاف الكيلومترات بانتظام بحثًا عن ظروف مناخية فضلى، وموائل آمنَ، وعن الغذاء ومناطق التزاوج. فتهاجر في فصلي الربيع والخريف من كل عام عبر خطوط طيران ثابتة، متجهة من الشمال إلى الجنوب والعكس في أغلب الحالات؛ وذلك للاستفادة من الحشرات والنباتات المبرعمة التي تزدهر مع دفء الطقس.

لأن الطيور تعبر حدود الدول في أثناء رحلاتها، فقد أتاحت الفرصة لتعزيز جهود الحماية المشتركة بين الحكومات والجمعيات الأهلية والخبراء على المستوى الدولي. وبالفعل، فقد تعاونوا لفترة طويلة لتحديد المناطق أو الموائل التي تستوجب الحماية، والتي تُعرف أيضًا بالمناطق المهمة للطيور.

المناطق المهمة للطيور

المناطق المهمة للطيور مواقع ذات أهمية عالمية للحفاظ على الطيور، تتحدد وفقًا لمعايير دولية متفق عليها. وقد أُطلق البرنامج الذي يحمل الاسم نفسه في أوروبا عام 1979، في إطار تعاون بين المجلس العالمي للحفاظ على الطيور (الآن منظمة بيردلايف إنترناشونال) ومنظمة أخرى معنية بحماية الحياة البرية. وتشكلت مجموعة عمل لوضع معايير اختيار المناطق المهمة للطيور، وكان أول مخرجاتها تحديد 694 منطقة.

بعد بضع سنوات، عبر مفهوم المناطق المهمة للطيور حدود أوروبا عندما بدأ البرنامج تحديد الأماكن الأولى بالحماية في إطار صون الطيور الأوروبية المهاجرة إلى المناطق التي تقضي فيها الشتاء في إفريقيا، ثم امتد لينتشر في أماكن عديدة حول العالم، مع إطلاق منظمة بيردلايف إنترناشونال المعايير الدولية الموحدة لتحديد المناطق المهمة للطيور. لا بد أن ينطبق أحد المعايير التالية (المعايير أ) على منطقة ما لتصنف منطقة مهمة للطيور: وجود أنواع مهددة عالميًّا (المعيار أ1)، أو وجود أنواع مقيدة المدى (المعيار أ2)، أو وجود أنواع مقيدة الموطن البيئي (المعيار أ3)، أو وجود تجمعات كبيرة من الطيور (المعيار أ4).

وبعدها، وضع شركاء منظمة بيردلايف إنترناشونال وغيرهم قوائم متتالية بالمناطق المهمة للطيور على المستويين الإقليمي والمحلي حول العالم. ومن ثَمَّ، جُمِّعت تلك القوائم في قاعدة بيانات مركزية تديرها منظمة بيردلايف إنترناشونال. وقد ساعدت قواعد البيانات على وضع استراتيجيات الحفاظ على المناطق المهمة للطيور حول العالم وإرشاد جهود حمايتها. هذا، وقد بدأت الحكومات والمنظمات غير الحكومية في مختلف الدول تركيز أنشطة الحماية في المناطق المهمة للطيور المحددة داخل أراضيها؛ إذ حشدت الجهود لحمايتها ومراقبتها وإدارتها.

المناطق المهمة للطيور في مصر

وفقًا لقاعدة بيانات منظمة بيردلايف إنترناشونال، يبلغ العدد الإجمالي لأنواع الطيور في مصر 378 نوعًا. نسبة 91% من تلك الأنواع مصنفة تحت فئة الأنواع غير المهددة من قبل الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN)؛ أي إنها موجودة بأعداد وفيرة في البرية. ويوجد 15 نوعًا منها مُصنفًا تحت فئة الأنواع القريبة من التهديد، و12 تحت فئة الأنواع المعرضة للانقراض، و5 تحت فئة الأنواع المهددة بالانقراض. والأنواع الخمسة المهددة بالانقراض هي: النسر المصري، والعقاب الحكيم، والنسر الأذون، وعقاب السهول، والصقر الحر.

هذا، وتمثل الطيور المهاجرة الأغلبية العظمى من أنواع الطيور في مصر؛ إذ تبلغ 297 من إجمالي 378 نوعًا. تقع مصر على مسارات دولية مهمة لهجرة الطيور بين مناطق تكاثرها في أوروبا وآسيا ومناطق قضائها الشتاء في إفريقيا؛ فهي الممر اليابس الوحيد بين المنطقتين. وتمر مئات الملايين من الطيور على البلاد –متجهة إلى الشمال أو الجنوب– في فصلي الربيع والخريف سنويًّا. ويقضي معظم تلك الطيور فصول الشتاء في الأراضي الرطبة المصرية؛ ما يجعلها مناطق شتوية ذات أهمية دولية للطيور المائية.

يوجد 34 منطقة مهمة للطيور في مصر تغطي مساحة 36,174 كيلومترًا مربعًا، منها 21 منطقة تضم أنواعًا مهددة عالميًّا (المعيار أ1)، أو أنواعًا مقيدة المدى (المعيار أ2)، أو أنواعًا مقيدة الموطن البيئي (المعيار أ3)، أو تجمعات كبيرة من الطيور (المعيار أ4). ولحسن الحظ، فبعض المناطق المهمة للطيور المصرية هي بالفعل محميات طبيعية، مثل رأس محمد، ونبق، ووادي الريان، وجبل علبة، والزرانيق. وتشمل المناطق الأخرى مسطحات مائية عذبة مثل خزان أسوان، وبحيرات البردويل والمنزلة والبرلس وإدكو ومريوط وقارون.

التهديدات وجهود الحفظ

تواجه المناطق المهمة للطيور في مصر تهديدات متنوعة؛ مثل تدمير الموائل، والتلوث، وزيادة الكثافة السكانية، والاستغلال المفرط للموارد. يحدث تدمير الموائل أساسًا نتيجة للتطوير غير المخطط؛ ما يؤدي إلى خسارة الطيور موائلها الطبيعية لاصطلاح الأراضي والرعي الجائر وغيرهما. وقد يحدث التلوث نتيجة التخلص العشوائي من النفايات الصلبة، وحوادث انسكاب البترول التي تمثل تهديدًا خطيرًا للطيور البحرية. ويُعدُّ الصيد الجائر أحد أمثلة الاستغلال المفرط للموارد. فوفقًا لوزارة البيئة المصرية، فإن نسبة من مليون إلى مليوني طائر كل خريف تقع فريسة الشباك أو الكمائن أو الطلقات على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر.

هذا، وتعمل الحكومة المصرية حاليًّا على تطوير برنامج الحفاظ على المناطق المهمة للطيور، الذي يهدف إلى متابعة تلك المناطق، وحمايتها، وإدارتها إدارة مستدامة. وتتضمن التدابير زيادة الوعي العام وتعزيز مشاركة المواطنين والجمعيات غير الحكومية والشركات في حماية المناطق المهمة للطيور وإدارتها.

والجمعية المصرية لحماية الطبيعة من الجمعيات غير الحكومية الرائدة في المجال، وهي تعمل يدًا بيد مع الحكومة المصرية، وهي شريك لمنظمة بيردلايف إنترناشونال. تنفذ الجمعية برامج واعدة، بما فيها برنامج «صون مسار هجرة النسر المصري»، الذي يهدف إلى الحفاظ على أحد أنواع الطيور الخمسة المهددة بالانقراض في مصر.

ويهدف برنامج الحفاظ على المناطق المهمة للطيور أيضًا إلى تشجيع الأنشطة الاقتصادية الصديقة للبيئة في هذه المناطق، مثل سياحة الطبيعة. ووفقًا للوزارة، فإن السياحة البيئية –مثل سياحة مراقبة الطيور– آخذة في الازدهار في مصر خلال السنوات القليلة الماضية؛ إذ تتم في مناطق مهمة للطيور مثل الزرانيق وسانت كاترين في سيناء، وكذلك في جزر البحر الأحمر.

**********************

إن الطيور بتنوعها وبهجتها وحيويتها كائنات مثيرة للإعجاب حقًّا، وهي حتمًا تضيف لمسة جمالية إلى عالمنا. ربما نحتاج –أنا وأنتم– إلى استكشاف عالم الطيور أكثر، ومعرفة مزيد عن أنواعها المذهلة حول العالم، مثل الحبارى الإفريقي والشبنم والحمام المتوج الفيكتوري والأركاري الأخضر وغيرها كثير.

عندما كنت طفلة وكانت السماء ما زالت مرئية من شرفات منازل مدينتا، دائمًا ما كنت أحب مشاهدة أنماط أسراب الطيور المحلقة. والآن، ما زالت أبتهج لرؤية الحمامات تستريح على حافة شرفتي في الصباح وأستمتع بهديلها المهدئ للأعصاب. وأتمنى أن أستطيع يومًا ما أن أحظى بمزيد من هؤلاء الجيران اللطفاء.

المراجع

birdlife.org
eeaa.gov.eg
natureegypt.org

Donald, Paul F., et al. “Important Bird and Biodiversity Areas (IBAs): The Development and Characteristics of a Global Inventory of Key Sites for Biodiversity.” Bird Conservation International, vol. 29, no. 2, 2019, pp. 177–198., doi:10.1017/S0959270918000102.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية