في عالم مليء بالعادات غير الصحية ومغريات مهلكة للجسد والروح يتقاطع الصيام وممارسة الرياضة كركنين أساسيين في حياة الإنسان المتوازنة. يرتبط الصيام بالتطهير الروحي والانضباط الذاتي، بينما تعمل الرياضة على تقوية الجسم وتحفيز العقل. فإن جُمِع بينهما لصارت فرصة عظيمة في تعزيز العافية الشاملة للإنسان. وقد يظن البعض أن ممارسة الرياضة أثناء الصيام تُشكل خطرًا على الصحة، ولكن هذا اعتقاد خاطئ بل وعلى النقيض تمامًا. فمن أفضل التوقيتات التي يمكن فيها للجسم ممارسة نشاط رياضي معتدل هو أثناء الصيام.
ولعل يتوارد في ذهنك الآن سؤالٌ وهو كيف لي أن أقوم بمجهود بدني بدون طعام أو ماء؟ الإجابة أنه ليس من الضروري للجسم أن يستهلك غذاء لينتج طاقة، فعلى الرغم من أن الغذاء وخاصة الجلوكوز مصدر الطاقة الأول إلا أن ممارسة التمارين الرياضية على معدة فارغة يدفع الجسم بالقيام بعملية تُسمى بالتبديل الأيضي (Metabolic Switch) وهو البحث عن مصدر آخر للطاقة ألا وهو الدهون.
إذًا فالصيام ليس عائقًا لممارسة الرياضة أو المجهود البدني، ولكن استجابة أجسامنا للتمرين أثناء الصيام متفاوتة؛ حيث أثبتت الدراسات أن أجسامنا تنقسم إلى نوعين:
- الأول جسم متأقلم مع حرق الدهون (Fat Adapted) وهو الجسم الذي يستطيع أن يستخدم الدهون لإنتاج الطاقة أثناء ممارسة التمارين الرياضية بدون آثار جانبية.
- الثاني جسم متأقلم مع حرق الجلوكوز (Glucose Adapted) وهو الجسم الذي لا يستطيع القيام بأي مجهود بدني بدون استهلاك الجلوكوز أو الكربوهيدرات قبل التمرين.
ويمكن اختبار نفسك لتحديد نوع جسمك عن طريق تجربة ممارسة نشاط رياضي بدون إفطار. إذا استطعت إكمال التمرين بدون إجهاد أو دوخة، إذًا فجسدك من النوع الأول المتأقلم مع حرق الدهون. ولكن، إذا شعرت بدوخة أو هبوط أو تسارع في ضربات القلب أو إغماء، فجسدك حينها يُعد من النوع الثاني الذي لا بد أن يستهلك الجلوكوز من الغذاء ليحصل على الطاقة اللازمة له للتمرين.
هل يختلف توقيت التمرين مع اختلاف طبيعة أجسامنا؟
الإجابة بالتأكيد نعم؛ إن أفضل توقيت لممارسة الرياضة أثناء الصيام ليس مطلقًا وإنما يعتمد على نوع جسمك وطاقتك ولياقتك. فإذا كنت من النوع الأول المتأقلم مع حرق الدهون، فأفضل توقيت لك هو قبل الإفطار بساعة أو قبل السحور بساعة، فهذا التوقيت له فوائد عدة:
- يساعد في نزول الوزن أساسًا من الدهون المخزنة وبصورة كبيرة؛ حيث تستمر عملية الحرق من
٩ إلى ٢٤ ساعة بعد انتهاء التمرين وخاصة تمارين المقاومة.
- يُعوَّض الجسم بعد الإفطار بالماء والمعادن والعناصر الغذائية التي فقدها أثناء التمرين.
- • يقضي على الشيخوخة لأن الصيام يقلل من إفراز هرمون الأنسولين المسؤول عن تخزين الدهون ويرفع من هرمون النمو الذي يزيد بناء الكتلة العضلية؛ كما ترفع التمارين الرياضية أيضًا من هرمون النمو، فيدعم صحة كبار السن ويقلل آثار الشيخوخة.
وإذا كان جسمك من النوع الثاني فأفضل توقيت لممارسة الرياضة هو بعد الإفطار بساعتين أو ثلاث ساعات ومن أهم فوائد التمرين في هذا الوقت:
- • يتيح للجسم الوقت الكافي لهضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية الضرورية التي يحتاجها قبل التمرين.
- • يساعد على تجنب الجفاف؛ حيث يستطيع الإنسان شرب الماء قبل وأثناء وبعد التمرين ليعوض ما فقده من سوائل.
- • تقديم أداء رياضي أنشط وأفضل.
ولكن ليست كل التمارين ممكنة في الصيام. فما هي أفضل التمارين المسموحة؟ التمارين الهوائية (الكارديو) وتمارين المقاومة هما أساس ممارسة التمارين الرياضية وبوجه عام يفضل الكارديو في فترة الصيام لمزيد من حرق الدهون بغرض نزول الوزن، أما تمارين المقاومة التي هدفها بناء العضلات فمن الأفضل القيام بها بعد الإفطار لضمان وصول العناصر الغذائية اللازمة للعضلات.
وأخيرًا يجب الاستماع إلى جسدك، إذا شعرت بتعب أو إجهاد توقف عن ممارسة الرياضة، فالهدف من ممارسة الرياضة هو تحسين الحالة الصحية والنفسية والحفاظ عليها وقبل القيام بأي تمرين عليك الرجوع إلى مختص.
المراجع
cambridge.org
healthline.com
healthxchange.sg
bda.uk.com
Cover image designed by Freepik