تؤدي الدموع دورًا حاسمًا في نقل أعمق مشاعرنا؛ فبالإضافة إلى أهميتها العاطفية، تُعد مهمة أيضًا من الناحية العلمية. الدموع ليست مجرد رد فعل تلقائي للحزن أو الفرح، بل هي دليل على مرونة الجسم وقدرته على التكيف مع التغيرات العاطفية أو البيئية؛ ففي كل قطرة منها نكتشف لغة كيميائية خاصة ومختلفة.
تُعرف الدموع بأنها سائل مائي مالح تفرزه الغدد الدمعية في العين يتكون بشكل أساسي من الماء بنسبة 98%، بينما تحمل الـ2% المتبقية مركبات كيميائية معقدة تمنح الدموع خصائصها الفريدة والمميزة، مثل الإلكتروليتات والإنزيمات والبروتينات والدهون.
ولا تقتصر الدموع على نوع واحد، بل تتنوع حسب السبب الذي أدى إلى إفرازها؛ فيمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- الدموع الأساسية: الدموع التي تُفرز باستمرار للحفاظ على رطوبة العين وحمايتها من الجفاف والأتربة، وتؤدي هذه الدموع دورًا حيويًّا في صحة العين.
- الدموع الانعكاسية: تُفرز هذه الدموع استجابة لمؤثر خارجي مثل دخول جسم غريب إلى العين أو التعرض للدخان أو أبخرة البصل، وهدفها هو طرد المادة المهيجة وحماية العين.
- الدموع العاطفية: الدموع التي ترتبط بمشاعرنا وأحاسيسنا، سواء كانت سعادة أو حزنًا أو غضبًا، وهذا النوع من الدموع هو الأكثر تعقيدًا من الناحية الكيميائية.
يختلف التركيب الكيميائي للدموع باختلاف نوعها وسببها؛ فعلى سبيل المثال، تحتوي الدموع الأساسية على الماء والإلكتروليتات (مثل أيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد) والبروتينات مثل الليزوزيم واللاكتوفيرين والليبوكالين، والتي تساعد على مكافحة الميكروبات والأجسام الغريبة والحفاظ على صحة العين. أما الدموع الانعكاسية فإنها تحتوي على مكونات إضافية، بما في ذلك الأجسام المضادة التي تسمى الغلوبولين المناعي والإنزيمات والدهون التي تساعد على إزالة المهيجات وتعزيز الشفاء.
تحتوي الدموع العاطفية على كميات أعلى من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين والتي قد تساعد على تخفيف الضيق العاطفي، كما أنها تحتوي على ناقلات عصبية مثل الإندورفين، والتي تعمل كمسكنات طبيعية للألم ومحسنات للمزاج. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي هذه الدموع على مستويات عالية من المنجنيز، وهو عنصر يساهم في تخفيف التوتر.
لقد أثبت التحليل الكيميائي للدموع قيمته أيضًا في مجال التشخيص الطبي؛ إذ اكتشف العلماء تحليل الدموع كأداة تشخيص محتملة غير جراحية لحالات معينة. على سبيل المثال، فُحصت المؤشرات الحيوية للدموع للكشف عن بعض أمراض العين، مثل متلازمة جفاف العين، والزرق، وحتى مرض السكري، وذلك من خلال تحليل مستويات جزيئات معينة في الدموع. ويهدف الباحثون إلى تطوير تحليل الدموع كأداة تشخيصية مناسبة وفعالة من حيث التكلفة وأقل توغلًا من الطرق التقليدية.
لطالما تساءل البعض عن سبب البكاء، وما الفائدة من إطلاق هذه القطرات المائية من العين. وتشير الدراسات إلى أن البكاء قد يكون آلية للتخلص من المواد الكيميائية الضارة التي تتراكم في الجسم نتيجة للتوتر والضغط النفسي. كذلك فإن البكاء يساعد على تخفيف الألم النفسي والعاطفي، ويعزز الشعور بالراحة والتخلص من التوتر، كما أنه يساعد على النوم خاصةً عند الأطفال. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن البكاء قد يكون له تأثير مهدئ، وأوضحت الدراسة كيف أن البكاء ينشط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي (PNS)، مما يساعد الأشخاص على الاسترخاء.
إن دراسة كيمياء الدموع تفتح آفاقًا جديدة لفهم طبيعة جسم الإنسان وتفاعلاته المعقدة؛ ففي كل قطرة من الدموع، يكمُن لغز علمي ينتظر منا فك شيفرته، وربما في المستقبل القريب. ستساعدنا هذه الدراسات على تطوير علاجات وتشخيصات جديدة لبعض الأمراض، أو حتى فهم أصول المشاعر الإنسانية بشكل أعمق.
المراجع
brighterkashmir.com
news-medical.net
medicalnewstoday.com
Cover image by Canva.