الزهراوي: رائد الطب الجراحي

شارك

مما لاشك فيه أن الهدف الأساسي من جميع العلوم التي اخترعها الإنسان، ودرسها، وساهم في تطورها، هو خدمة البشرية والإنسانية كافة، ولا سيما إن كانت هذه العلوم تهتم بصحة الإنسان؛ مثل علم الطب والصيدلة بفروعيهما. وقد أسهم العلماء العرب فى العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في هذا المجال إسهامًا كبيرًا. فنقول إن الطبيب الأندلسي أبا القاسم الزهراوي (المتوفى 427 هـ/ 1037 م) – والمعرف لدى الغرب باسم Albucasis  – رائد الطب الجراحي، وإنه أول طبيب جراح يستخدم الخيوط الجراحية المستخلصة من أمعاء القطط بشكل منهجي علمي سليم.

كما كان له الفضل في اختراع وابتكار الأدوات الجراحية التي لازالت تستخدم إلى وقتنا الحاضر بنفس تصاميمها تقريبًا. فقد ابتكر ملاعق خفض اللِّسان، وأدوات خَلع الأسنان، ومناشير العظام، والمشارط، والملاقيط على اختلاف أنواعها، هذا على سبيل المثال لا الحصر؛ فقد فاق عددها المئات. وقد وصف كل أداة منها وصفًا دقيقًا، كما شرح كيفية تصنيعها واستخداماتها.

ناهيك عن الأسس والإجراءات الصارمة التي وضعها الزهراوي لعلم الجراحة، والتي جاءت في كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف". وقد جاء هذا الكتاب مقسمًا إلى ثلاثين بابًا تناول فيها الزهراوي ثلاثة موضوعات رئيسية؛ هي: الأمراض والتشريح، والأدوية والعقاقير، والجراحة وفنونها. وقد تُرجِم هذا الكتاب إلى عدَّة لغات بدايةً من القرن الثاني عشر الميلادي انتهاءً بالترجمة الفرنسية فى القرن التاسع عشر على يد المستشرق الفرنسي لوسيان لوكلرك المتوفَّى سنة 1893م.

والجدير بالذكر أن الزهراوي كان له السبق في كيفية تصنيع أقراص الدواء وقوالبها، بل وأفرد في المقالة الثامنة والعشرين من كتاب التصريف مقالاً عن كيفية الطباعة على هذه الأقرص بشكلٍ معكوس كي تظهر على الدواء بشكلٍ مقروء قبل ظهرور مفهوم الطباعة للألماني جوتنبرج المتوفَّى 1468م. ولأبي القاسم ابتكارات عديدة لا مجال لحصرها في هذا المقال. وأدعوك أيضًا كلما رأيت "الحقنة" أن تتذكره؛ فهو من ابتكرها، ولم يكن هذا الاختراع الذي لا غنى عنه إلى يومنا الحالي إلا نقطة في محيط من علم هذا الرجل وفضله على البشرية.

وكانت مؤلفاته هي المرجع الرئيسي لأطباء أوروبا والعرب لمئات السنين فى وقت كانت الكنيسة فى أوروبا تحرِّم تدريس الجراحه فى مدارس الطب، وتعتبر الجراحين من المارقين عن الدين؛ لأن المرض عقاب من الله لا يجب تغيره. ومن هذا المنطلق، أصبح علم الطب – والجراحة تحديدًا – يدين إلى الحضارة العربية خالصة، مما دعا المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه للقول في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": "إن هذا الفرع بالذات يدين للعرب بتقدمه وصعوده إلى القمة، وإليهم وحدهم يعود الفضل برفع هذا الفن العظيم للمستوى الذي يستحق، وفضل بقائه".

والزهراوي أيضًا هو أول من وصف جراحة القسطرة وابتكر فكرتها وأدواتها. وكان له الفضل أيضًا فى أهمية ربط الشرايين خلال العمليات الجراحية لتجنب حدوث النزيف أثناء الجراحة، وغير هذا الكثير مما نُسب إلى غيره من أطباء الغرب اللاحقين عليه بمئات السنين.

وليس الزهراوي وحده من كان له النصيب الأكبر فيما خلفه من تراثٍ علمي. ولكن، نجد أيضًا أن هناك من الأطباء المسلمين الذين قدموا من الإسهامات ما هو ليس بقليل. فنذكر ابن سينا (المتوفَّى سنة 370هـ/ 980م) صاحب كتاب "القانون" فى الطب الذي ظلت ترجماته من المراجع العالمية في الطب؛ حيث كانت تدرَّس فى جامعات الغرب حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي.

ونذكر أيضاً الطبيب ابن النفيس – رئيس أطباء مصر – المتوفَّى سنة (607هـ/ 1213م)؛ مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأحد أهم رواد علم وظائف الأعضاء فى الإنسان، والذي ظلت نظريته حول الدورة الدموية الصغرى مرجع العلماء حتى اكتشاف الدورة الدموية الكبرى.

ولا يصح ختام هذا المقال بغير ذكر أحد أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق – كما ذكرت المستشرقة زجريد هونكة في كتابها – أبو بكر الرازي المتوفَّى سنة (311هـ/ 923م)؛ صاحب كتاب "الحاوي" فى الطب، والذي ظل يدرَّس أيضًا قرابة الأربعة قرون في الغرب، والذي جمع فيه كل المعارف الطبية منذ عصر الإغريق حتى عصره.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2025 | مكتبة الإسكندرية