هل سبق واشتريت برطمان عسل نحل ثم نسيته تمامًا لأسابيع أو شهور؟ هل لاحظت أنه احتفظ بذات ملمسه وطعمه؟ ربما تكون اعتقدت أن الفضل يرجع في ذلك إلى المواد الحافظة التي تضاف لإطالة عمر المنتجات. في الحقيقة أنه على الرغم من أن تلك المواد الحافظة الصناعية لا غنى عنها في تصنيع منتجات غذائية عديدة، إلا أن العسل له قصةٌ مختلفة.
تركيب فريد!
إذا نظرت عن كثب إلى تركيب العسل، ستلاحظ ملمسه اللزج الذي يخفَّ قوامه مع ارتفاع درجة الحرارة ويكوِّن البلورات أحيانًا مع انخفاضها. يُعدُّ العسل مادة هيجروسكوبية؛ أي أنه يحوي نسبةً ضئيلةً جدًّا من الماء في حالته الطبيعية، ولكنه يستطيع امتصاص الرطوبة من الهواء. كذلك يتصف بدرجة حموضته المنخفضة (نحو 3.2 إلى 4.5)، مما يجعله بيئة غير مناسبة لنمو أنواع عديدة من البكتيريا والفطريات. وعندما يتفاعل إنزيم جلوكوز أوكسيداز مع الجلوكوز والماء، يُنتج العسل عامليْن مضاديْن للبكتيريا، هما: حمض الجلوكونيك وبيروكسيد الهيدروجين. علاوة على هذا، يحتوي العسل على مركبات مثل الفلافنويدات والأحماض الفينولية التي تتمتع بخواص مضادة للميكروبات.
وفقًا للموسوعة البريطانية، التناضح هو «الانتشار أو النفاذ الذاتي للماء أو المذيبات الأخرى عبر غشاء نصف نفَّاذ». ونظرًا لأن العسل غنيِّ بالسكريات بطبيعته، فهذا يؤدي إلى إنتاج ضغط تناضحي مرتفع يدفع المياه إلى النفاذ من الخلايا البكتيرية من خلال عملية التناضح. ونتيجة لفقد الماء والضغط التناضحي المرتفع، تبدأ الخلايا البكتيرية في الانكماش ولا تستطيع النمو في المحلول ذي التركيز السكري العالي.
الخواص المضادة للتلوث
أحيانًا، يظن بعض الناس خطأً أن العسل المتبلور «فاسد». لكن تبلور العسل عملية طبيعية يتغير خلالها قوامه من حالة سائلة إلى شبه صلبة مع تكوَّن تلك الحبيبات. ولأن العسل مادة فائقة التشبع مصنوعة من السكريات، وتحديدًا الفركتوز والجلوكوز،، فإن ذلك يؤثر في سرعة تكوُّن البلورات فيه. ويميل الجلوكوز إلى تكوين البلورات أكثر من الفركتوز. ويمكن أن تؤدي درجة الحرارة أيضًا دورًا كبيرًا في عملية البلورة؛ إذ يتبلور العسل أسرع في درجات الحرارة المنخفضة، قرابة 10° درجات إلى 14° درجة مئوية، في حين تكون العملية أبطأ في درجات الحرارة الأعلى (25° درجة مئوية).
العسل غني بالمواد الحافظة الطبيعية، ومع ذلك فإنه قد يفسد أحيانًا. فالتعامل غير السليم، أو التخزين بطرق لا تراعي النظافة، أو وجود حبوب اللقاح وغيرها من المتبقيات النباتية، أو النكتار المُجمَّع من الأزهار الملوَّثة بالمبيدات أو غيرها من المُلوِّثات البيئية، جميعها تُعدُّ من العوامل الخارجية التي يمكن أن تؤدي إلى تلويث العسل، وإن كان ذلك نادرًا.
ورغم هذه الأسباب المحتلمة لتلوُّث العسل، فإن خصائصه المتمثلة في قلة محتواه المائي، ودرجة حموضته العالية، وخواصه المضادة للميكروبات تمنع نمو البكتيريا وغيرها من العوامل الممرضة فيه إلى حدٍّ كبير، ما يجعل تناوله آمنَا لأغلب الناس. ويُمكن أن تساهم الممارسات السليمة في التعامل مع العسل وتخزينه في تقليل فرص تلوثه.
المراجع
mdpi.com
britannica.com
sciencefocus.com
nature.com
timesofindia.indiatimes.com
Cover Photo by Freepik