الذكاء الاصطناعي: عدو أم صديق؟

شارك

في مايو 2023، كتب البروفيسور جيفري هينتون الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024 تغريدة على منصة إكس نصها: «يُلمِح كيد ميتز اليوم في صحيفة نيويورك تايمز إلى أنني تركت شركة جوجل حتى أتمكن من انتقادها. في الحقيقة، لقد غادرت حتى أتمكن من التطرق لمخاطر الذكاء الاصطناعي دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير ذلك في جوجل. فقد تعاملت شركة جوجل بمسؤولية شديدة تجاه الأمر». أحدثت تلك التغريدة صدمة هائلة لأن البروفيسور جيفري هينتون الحائز على جائزة تورينج هو أحد المؤسسين الأساسيين للتعلم العميق، وهو فرع حديث من الذكاء الاصطناعي AI.

الذكاء الاصطناعي هو فرع من علوم الكمبيوتر يدرس قدرة الآلات على محاكاة الذكاء البشري وبناء أنظمة ذكية قادرة على محاكاة الوظائف البشرية المتقدمة والمعقدة، بما في ذلك التعلم والتفكير وحل المشكلات وفهم اللغة. ورغم أن مصطلح الذكاء الاصطناعي أصبح شائعًا في السنوات الأخيرة، بافتراض أنه قد تطور مؤخرًا، إلا أن علم الذكاء الاصطناعي بدأ في الواقع مع ظهور علم الخوارزميات على يد الخوارزمي. تُعد الخوارزمية لُب علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي.

ففي عام 1950، قدم آلان تورينج الذي يشتهر بكونه مؤسس علوم الكمبيوتر النظرية «اختبار تورينج»، وهو اختبار لقياس ذكاء الكمبيوتر. جاءت نقطة التحول عام 1956 عندما نظم مارفن مينسكي وجون مكارثي «ورشة عمل دارتموث»؛ حيث قُدم الذكاء الاصطناعي بوصفه تخصص أكاديمي. تلى ذلك تطوير مكارثي للغة «ليسب» للبرمجة، وهي لغة برمجة قياسية للذكاء الاصطناعي.

وجاءت الخطوة المهمة الأخرى عندما طوِّر «تعلم الآلة»، وهو مفهوم يعتمد على تمكين الآلات من التعلم من البيانات. «الشبكات العصبية الاصطناعية» هي نوع ثوري من الذكاء الاصطناعي، مستوحى من الروابط العصبية في الدماغ، ويعد جيفري هينتون أحد رواد هذا المجال.

يتكون الدماغ البشري من خلايا عصبية تتواصل بعضها مع بعض من خلال المشابك العصبية. تحاكي تقنية «الشبكات العصبية الاصطناعية» هذه الوظيفة، فتحلُّ عقد شبكات الاتصال محل الخلايا العصبية. طور جيفري هينتون آلة بولتزمان، وهي نوع متقدم من الشبكات العصبية الاصطناعية القادرة على اكتشاف خصائص في البيانات يمكن استخدامها في تحليل الصور، وقد فاز بجائزة نوبل عن هذا الابتكار. ويمكن تطبيق اختراعه الثوري في مجالات عديدة، مثل التصوير الطبي، مما يؤدي إلى تقدم واعد.

كل المساهمات المذكورة التي قام بها هؤلاء العلماء المرموقون مهدت الطريق للثورة التحويلية الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي من الممكن أن تكون ذات فائدة كبيرة عند تطبيقها في مجالات متنوعة، بما في ذلك الصحة والتعليم والتصنيع والتجارة، إلخ. تتضمن مزايا الذكاء الاصطناعي: تقليل استهلاك الوقت، وأتمتة المهام المتكررة، واستخراج المعلومات بسرعة أكبر من خلال البيانات المتاحة، والحد من الخطأ البشري والمخاطر المادية، وتعزيز عملية اتخاذ القرار.

في مجال الصحة مثلًا يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين تحليل التصوير الطبي؛ كما يمكن تطبيقه في النماذج المستخدمة في الطب الشخصي من أجل التوصل إلى بروتوكولات علاج شخصية أكثر كفاءة. علاوة على ذلك، يمكن مراقبة الحالة الصحية للمريض افتراضيًّا أو باستخدام أجهزة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، أو يمكن تطوير مساعد جراحي ذكي يساعد الجراحين على تحقيق نتائج جراحية أفضل. أما في مجال التعليم، فيساعد الذكاء الاصطناعي على إنشاء بيئة تعلّم ذات طابع شخصي بالإضافة إلى استخدامه كروبوت دردشة تعليمي ذكي.

رغم قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في مجالات متعددة، فإنه يشكل خطرًا كبيرًّا على الخصوصية والمبادئ الأخلاقية فيما يتعلق باستخدام البيانات والأنماط التدريبية المتحيزة واتخاذ القرار. كما يمكن أن يستبدل عديدًا من الوظائف أو يغير من طبيعتها، مما يشكل ضغطًا على الموظفين الشاغرين لمثل هذه الوظائف لإيجاد فرص عمل أخرى أو اكتساب مهارات جديدة. هذا ويؤدي احتكار سوق الذكاء الاصطناعي من قبل الشركات العملاقة فقط إلى زيادة خطر التحيز. كذلك تحتاج نماذج الذكاء الاصطناعي إلى طاقة هائلة للتطوير والتشغيل، مما يثير مخاطر بيئية ومخاطر تتعلق باستخدام الطاقة.

خلال رحلته البحثية الطويلة مع الشبكات العصبية الاصطناعية، اعتقد البروفيسور جيفري هينتون أن قدرات هذه الأنظمة كانت أدنى من قدرات الدماغ البشري من بعض النواحي، لكنه لاحقًا قال: «ربما يكون ما يحدث في تلك الأنظمة أفضل بكثير مما يحدث في الدماغ». ثم أضاف: «ولكن اعتقدت الغالبية العظمى أنها كانت بعيدة كل البعد عن ذلك. أنا شخصيًّا اعتقدت أن الأمر بعيد جدًّا؛ أنه كان يحتاج من 30 إلى 50 عامًا أو حتى لفترة أطول حتى يحاكي الدماغ البشري. ولكنني لم أعد أعتقد هذا الآن»، مما يثير تهديدات وجودية. ورغم كل فوائد الذكاء الاصطناعي، تظل المخاطر موجودة، بل قد تكون كارثية. يحتاج الأمر إلى بذل كثير من الجهد لتنظيم استخدامه حتى نتمكن من الاستفادة من مزاياه ومنع مخاطره أو تقليلها.

المراجع

nobelprize.org

youtube.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2025 | مكتبة الإسكندرية