هل تعاني من نزلة برد؟ فلتأخذ قرصًا. هل تعاني من الصداع؟ فلتأخذ نوعًا آخر من الأقراص. هل أنت مصاب بربوٍ؟ هنالك جهاز الاستنشاق. حقًّا، إنها أعاجيب الطب الحديث؛ فكل ما تحتاجه لعلاج أي مرضٍ شائع موجود ومعبأ لتستخدمه بسهولة.
وبالطبع، فقد استغرق الأمر آلاف السنين حتى نصل إلى ما نحن عليه الآن؛ فالطب – مثله مثل كل شيء آخر – بدأ بداية متواضعة. ومع تطور الرعاية والأبحاث الطبية، أصبح من السهل في يومنا هذا تفسير ما أربك أسلافنا قديمًا. دعونا إذًا نسافر عائدين إلى الماضي؛ لنلقي نظرة خاطفة على الطب في زمن الفراعنة.
كان قدماء المصريين من أوائل من قاموا بتأسيس المهن الطبية. وقد تبدو ممارساتهم بدائية لنا، غير أنها كانت تقدمية للغاية في ذلك الحين. فقد سُنِح للمجال الطبي أن يتقدم لأن الاقتصاد كان قائمًا على الزراعة؛ حيث عاش الناس وعملوا في المكان ذاته طيلة حياتهم، مما جعل الحفاظ على وتيرة التقدم أمرًا يسيرًا. ليس ذلك فحسب، بل كان أيضًا شعبًا يُحسن القراءة والكتابة؛ وهكذا كان يتم حفظ المعارف الطبية والإضافة إليها مع مرور الوقت وتزايد الاكتشافات والملاحظات.
من أهم الأشياء التي حظيت باهتمام المصريين القدماء النظافة؛ حيث علموا أن الطريقة المثلى لعدم الإصابة بالأمراض هي الوقاية، والتي تعني لهم الحفاظ على النظافة الشخصية. فلم يؤمنوا فقط بأهمية الاستحمام والتطهير لأجسامهم بصفة دورية، بل وحرصوا على نظام غذائي خالٍ من لحوم أية حيوانات غير صحية أو غير نظيفة.
وخلاف الربط بين تناول الأطعمة الصحية والحفاظ على النظافة الشخصية وبين الحالة الصحية الجيدة، فقد تفهم الأطباء كيفية عمل جسم الإنسان. فقد علموا أن هناك نبضًا في جسم الإنسان وربطوا بينه وبين القلب، إلا أن علمهم لم يتوصل إلى الدورة الدموية. وقد كانت لهم نظرية أخرى في هذا الشأن: نظرية القنوات.
فقد آمنوا أن هناك قنوات متنوعة حاملة للهواء، والمياه، والدم؛ وجاءت تلك الفكرة من ملاحظة الفلاحين الذين يقومون بحفر قنوات المياه لري محاصيلهم. فبملاحظة دور تلك القنوات في سد حاجة الأرض الغذائية، قارنوا ذلك بجسم الإنسان وتخيلوا وجود قنوات ممتدة داخل الجسم تزوده بما يحتاجه؛ وكان من المعتقد أن القلب هو مركز تلك القنوات.
وقد اعتقد قدماء المصريين أن الآلهة هي ما يخلق الحياة ويتحكم بها؛ فآمنوا بآلهة مختلفة تتحكم بصحة المرء. فإن كان هناك انسداد في إحدى القنوات، كانوا يظنون أن ذلك من الأعمال الخبيثة للروح الشريرة، وهيدو. وقد أتاحت نظرية القنوات لمجال الطب في مصر القديمة الانتقال من الاعتماد على الآلهة في الشفاء من الأمراض والاضطرابات إلى إدراك الطب بصفته مجالاً علميًّا. فعندما كانت تنسد إحدى القنوات، كان يتم تجربة الأدوية المختلفة لعلاج ذلك الانسداد. ورغم أن الطب كان لا يزال تحت وطأة الروحانيات حينئذٍ، فإن تلك النظرية كانت بمثابة الخطوة الأولى نحو تحريره منها.
لأنهم كانوا يعرفون الكتابة، استطاع قدماء المصريين حفظ معارفهم وتدوينها على لفائف البردي؛ وقد تم اكتشاف بعض تلك اللفائف بعد ذلك، والتي أعطتنا فكرة عن المعارف الطبية حينها. وبردية إيبرس إحدى تلك الوثائق، ويعتقد أنها ترجع إلى حوالي ألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد. وعلى الأرجح، تضم تلك البردية معلومات أعيد تدوينها من مواد ترجع إلى ثلاثة آلاف وأربعمائة سنة قبل الميلاد؛ وهذا يدل على قدم المجال الطبي.
تلك اللفافة طولها عشرون مترًا، أي حوالي مائة صفحة، وهي تعد من أقدم الوثائق الطبية في الوجود. وكما يليق بطولها، تضم بردية إيبرس حوالي سبعمائة علاج ووصفة طبية عشبية وروحانية، ذلك بالإضافة إلى العديد من التعويذات والرُقى التي كانت تهدف إلى صد الأرواح الشريرة المسببة للأمراض. كما ضمَّت اللفافة معلومات عن مشكلات البشرة، والأسنان، وأمراض العين، والأمراض المعوية، والطفيليات، وكيفية مداواة الخراجات والأورام جراحيًّا.
كما عرف قدماء المصريين أيضًا كيفية مداواة العظام المكسورة والمفاصل المخلوعة. وعلى الرغم من أنهم لم يقوموا بإجراء جراحات عميقة، فقد تمكنوا من إجراء الجراحات على الجروح السطحية ومن عمل الخياطات أيضًا. ويُعد المصري القديم حسي رع (2700 ق.م.) أقدم طبيب معروف في العالم، وكان يلقب بـ"رئيس أطباء الأسنان والأطباء" في حضرة الملك زوسر. ومن الطبيبات الرائدات بيسيشيت (2400 ق.م.)، والتي كانت تعرف برئيسة الطبيبات جميعهن. وفي ذلك الوقت، كان رؤساء الأطباء موظفين في البلاط الملكي؛ وكانوا يرأسون مفتشين صحيين يراقبون أداء الأطباء.
كان قدماء المصريين معروفين جيدًا بتطورهم في مجال الطب في زمنٍ كان الناس يسافرون مسافات طويلة للتداوي على أيديهم. كما كان حكام البلاد الأخرى يطلبون من الأطباء المصريين القدوم لعلاجهم، مما يشير إلى الاحترام والتبجيل اللذين حصلوا عليهما مقابل ضلوعهم في هذا المجال.
المراجع
http://www.ancient.eu.com/article/50/
http://www.civilisations.ca/cmc/exhibitions/civil/egypt/egcs05e.shtml
Cover image by Freepik