منذ بدء الخليقة، ومنذ أن وهب الله الإنسان الأرض ليعيش عليها جنبًا إلى جنب مع باقي المخلوقات، لم يكن الإنسان إلا مدمرًا لكل ما هو جميل حوله. فالتلوث الذي يسببه الإنسان للبيئة يدمرها بشكل لا يوصف وهذا التدمير يؤثر بالسلب في حياته هو شخصيًّا وعلى حياة الحيوانات والنباتات التي تشاركه الأرض. وفي السطور التالية نكشف لكم كيف أن الإنسان هو العدو الأول والمؤذي الأوحد لنفسه، ولكل من يشاطره الحياة على كوكب الأرض من خلال هذا الحوار الشائق مع الدكتور عماد خليل الذي شاركنا معلوماته القيمة عن موضوع التلوث والاحتباس الحراري والتحديات التي تواجهها البيئة والكائنات البحرية بشكل خاص جراء هذه المشكلة العالمية.
الدكتور عماد خليل، أستاذ بقسم الآثار والدراسات اليونانية والرومانية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ومدير مركز الآثار البحرية والتراث الثقافي الغارق بجامعة الإسكندرية، وأستاذ كرسي اليونسكو للتراث الثقافي المغمور بالمياه. إلى جانب ذلك، انتُخب نائبًا للجنة العلمية والفنية لمنظمة اليونسكو الخاصة باتفاقية عام 2001 لحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. كان الدكتور عماد من أوائل المصريين الذين تدربوا على الغوص، وعملوا في مجال اكتشاف الآثار الغارقة في مصر منذ أوائل التسعينيات
في البداية، نود أن نستهل الحوار بمعرفة تأثير النشاط البشري في الحياة البحرية؟
في الماضي، اقتصر الصيد على استخدام الشبكة والصنارة، وكانت مراكب الصيد صغيرة في الحجم وسعة التخزين. ولكن، مع التقدم التكنولوجي الذي يشهده عالمنا الآن، تطورت بالتبعية تقنيات وأدوات الصيد؛ فأصبحت المراكب أضخم وسعة تخزينها أكبر. كذلك باتت مزودة بأجهزة تستطيع معرفة أماكن تجمع الأسماك تحت الماء وأحجامها، وعمق المياه، وطبيعة قاع البحر، وغيرها من المعلومات،؛ كل ذلك ساهم في استمرار رحلات الصيد لشهور في البحر على عكس الماضي.
ومع عدم وجود رقابة على المسطحات المائية وما يحدث بها، ظهرت كثير من الممارسات المضرة بشدة للمسطحات والكائنات البحرية على حدٍّ سواء. ففي شرق آسيا تُصاد عشرات آلاف القروش من أجل زعانفها التي يُعدُّ منها حساء زعانف القرش، وهو طبق يرمز إلى الثروة والمكانة في عدد من دول تلك المنطقة.. وتُلقى القروش مرة أخرى بعد قطع زعانفها، فلا تستطيع البقاء بدونها وتموت؛ ما يؤثر سلبًا على النظام البيئي البحري ومجتمعات الصيد في المنطقة، لأن القروش لها أهمية بالغة في بيئاتها.
ويُعد التلوث وجهًا آخر من أوجه الأنشطة البشرية الضارَّة بالبيئة البحرية، سواءً كان نتيجة لتسرب المواد البترولية جراء حوادث السفن، أو التلوث بمياه الصرف الصحي أو المخلفات غير العضوية مثل البلاستيك. فيستخدم البلاستيك بكميات هائلة حول العالم، وغالبًا ما ينتهي به الأمر في البحار والمحيطات، سواءً من خلال إلقائه مباشرة في المياه أو وصوله إلى المياه محمولًا مع الرياح. وتكمن خطورة البلاستيك في كونه مادة غير قابلة للتحلل؛ لكنه يتفتت إلى ميكرو بلاستيك تتناوله الأسماك، ثم نتناوله نحن البشر بعد ذلك.
على المستوى العالمي، ومع زيادة استهلاك الإنسان للأسماك باعتبارها طعام صحي ومفيد وآمن مقارنة باللحوم الحمراء والدواجن، أصبحنا نواجه خطر تناول البلاستيك من خلال الأسماك. وبالعودة إلى الكائنات البحرية، فإن تناول الأسماك للبلاستيك يسبب مشكلات كبيرة في جهازها الهضمي يمكن أن تؤدي إلى نفوقها. وتخلط بعض الكائنات –مثل السلحفاة البحرية– بين الأكياس البلاستيكية التي تطفو على سطح الماء وبين قناديل البحر التي تمثل وجبتها المفضلة، فتهرع لتناولها، ومن ثم تختنق وتموت. كذلك يتسبب البلاستيك في موت الشعب المرجانية أيضًا عندما يغطيها، فلا تستطيع التنفس جيدًا وبالتالي تموت أيضًا.
لذلك فلابد من الحد من استخدام البلاستيك أو تقنينه من خلال عدم إتاحة الأكياس البلاستيكية مجانًا كما هو معتاد في الأسواق المصرية، والاستعانة بالأكياس القابلة لإعادة الاستخدام التي بدأت فعليًّا في الانتشار في بعض المتاجر، أو استخدام أكياس مصنوعة من القماش أو الورق.
إلى جانب ذلك، توثر حركة المركبات البحرية في هجرة الأسماك، فتخلط الدلافين والحيتان على سبيل المثال بين الاهتزازات الناجمة عن رفاصات ومحركات السفن والغواصات وبين الموجات التي تصدرها للتواصل بعضها مع بعض. فيؤثر هذا على طريقة تمييز تلك الكائنات للاتجاهات، فتحيد عن وجهاتها المقصودة في أثناء هجرتها من مكان إلى آخر، أو قد تتجه خطأً إلى الشاطئ وتموت في نهاية الأمر، وهي ظاهرة نشهدها منذ سنوات في اقتراب الحيتان من سواحل البحر المتوسط.
وهل تؤثر الأنشطة البشرية في سلوك الكائنات البحرية؟
إن سلوك الكائنات البحرية تجاه الإنسان بوجه عام، ماهو إلا رد فعل لسلوك الإنسان؛ فالأسماك التي تحفزها الأجسام اللامعة يمكن أن تهاجم الغواصين الذين يرتدون معدات لامعة، والأسماك التي تحفزها رائحة مستحضرات الوقاية من الشمس يمكن أن تهاجم السباحين الذي تصدر عنهم الرائحة، ناهيك أن بعض الأسماك تموت بسب المواد الكيميائية الموجودة في تلك المستحضرات. ومن أخطر السلوكيات الخاطئة التي لها تأثير سلبي ومميت للغاية إلقاء الأطعمة للأسماك في البحر الأحمر. فهذا السلوك يدمر طبيعة الكائنات البحرية ويجعلها اعتمادية على الإنسان فيما بتعلق بالتغذية، وقد تفقد قدرتها الفطرية على الصيد وتموت إذا لم تجد من يقدم لها الطعام.
كذلك فإن أنواع الأطعمة التي يلقيها الإنسان للأسماك ليست من ضمن حميته الطبيعية، فلا يوجد أي نوع سمك يأكل الخبز أو البيض مثلاً، وغيرها من أطعمة البشر. هذه العادة أدت إلى نتائج كارثية، كما جاء في تقرير نُشر بعد حادثة مهاجمة القروش لبعض هواة الغطس في البحر الأحمر في عام 2012. فعند إلقاء الإنسان الطعام للأسماك الصغيرة تتجمع أعداد كبيرة منها لتناوله، ويؤدي هذا التجمع إلى حركة غير عادية في المياه، ويُحدث موجات تحفز الأسماك الكبيرة لمهاجمة هذه الأسماك الصغيرة التي تعتبر غذاء لها. وعندما تصل الأسماك المفترسة إلى هذه التجمعات تتناول ما تجده إلى جانب الأسماك، أو بمعني آخر تهاجم البشر على اعتباره غذاء. بعد تكرار هذه الحوادث، مُنع هذا السلوك المميت في المسطحات المائية في البحر الأحمر للحفاظ على الأرواح وعلى فطرة الأسماك وقدرتها على الصيد مجددًا.
كلمة السر في هذه المعضلة هي الوعي؛ فلا يمكن حل أية مشكلة بدون نشر التوعية عن خطورتها. لابد من سن قوانين وعقوبات لمحاربة تلوث المسطحات المائية، كما إنه من الضروري العثور على بدائل لاستخدام البلاستيك، والأهم من هذا وذاك نشر الوعي بين الناس من خلال كل القنوات المتاحة لتعريف الشعوب بالمشكلة ومخاطرها وعواقبها الوخيمة. لا ينبغي الاعتماد فقط على المؤسسات الحكومية فقط، ولكن على كل مواطن أن يشارك في نشر الوعي من موقعه ومحاولة تغيير السلوكيات والعادات الخاطئة التي لا تضر من يقوم بها فقط، بل تضر العالم أجمع وتهدد مستقبل أبنائنا الذي نعيش من أجل تأمينه.
Cover image by Freepik