عندما يلتقي الناس والدين جددًا، فإنهم يغمرونهم بالنصائح والمعلومات حول ما يمكن توقعه من أطفالهم أو كيفية تربيتهم والتعامل معهم. عادة، تكون هذه النصيحة بناءً على تجربتهم الشخصية، أو ما سمعوه من أصدقائهم أو عائلاتهم. أذكر أنني غُمرت بعديد من النصائح بعد ولادة طفلي الأول؛ بعضها كان مفيدًا، في حين اتضح أن بعضها الآخر كان خرافات فحسب، على الأقل في حالتي. إن معظم هذه الخرافات عبارة عن معتقدات شائعة أو قصص قديمة تناقلتها الأجيال، فأصبحت تعامل معاملة الحقائق الثابتة.
بعيد عن العين
«لا يرى بعد!» سمعت هذه الجملة كثيرًا عندما كان عمر طفلي بضعة أيام. والحقيقة أن الأطفال حديثي الولادة يمكنهم الرؤية، ولكن بتشويش فحسب. يولد الأطفال بقصر نظر؛ فلا يمكنهم الرؤية أبعد من 20 إلى 30 سم، وهي تقريبًا المسافة من ذراعيك إلى وجهك. وأي شيء أبعد من ذلك يراه الطفل مشوشًا.
توجد خرافة شائعة أخرى متعلقة بقدرة حديثي الولادة على الرؤية، ألا وهي أنهم ينجذبون إلى الألعاب والأشكال الملونة. في الواقع، يمكن للألوان الزاهية أن تشتت انتباههم وتربكهم. وعلى العكس، فإن النظر إلى أنماط باللونين الأبيض والأسود يساعدهم على التركيز وفهم ما يرونه.
بلا رضفة
«انتبهي وأنت تحملين طفلك، وخاصة من عند ساقيه؛ فالأطفال يولدون بلا رضفة – وهي العظمة التي تغطي الركبة.» في الحقيقة، يولد الأطفال برضفة طرية مكونة من الغضاريف، وتتحول إلى عظام في الفترة بين سن الثانية والسادسة من عمر الطفل، ثم إلى عظام صلبة تمامًا في سن العاشرة أو الثانية عشرة. يتحمل الغضروف المرن الضغط أفضل في أثناء تعلم الطفل الزحف ثم المشي.
وعلى الرغم من أن ركب الأطفال خالية من العظم، فإن لديهم 96 عظمة أكثر من البالغين؛ فهم يولدون بثلاثمائة عظمة. وعندما يكبرون، تندمج معظم تلك العظام معًا، مثل المكان الطري الموجود بين عظام جمجمة طفلك، الذي يُعرف باسم اليافوخ؛ حيث يوفر المساحة الكافية لنمو مخ الطفل. وسيُغلق هذا الجزء في النهاية عندما تندمج العظام معًا؛ لهذا السبب يجب التعامل مع هذا الجزء من الرأس بعناية.
وحمة الفراولة
«طفلك لديه وحمة تشبه الفراولة؛ يبدو أنك كنت تشتهين الفراولة عندما كنت حاملًا.» توجد خرافات عديدة حول الوحمات وفقًا للثقافات المختلفة؛ فعلى سبيل المثال، في اليابان، لا يُسمح للمرأة الحامل أن تنظر إلى النار، حتى لا تظهر «علامة حرق» عند طفلها. ويوجد اعتقاد آخر أن وجود وحمة مميزة يعني أن لدى الطفل سمة شخصية خاصة، في حين يعتقد بعض آخر أن الوحمة نتجت عن نوع من الصدمة حدثت لجلد الطفل في أثناء الولادة.
إن الوحمات أمر شائع عند الأطفال؛ فبعضهم تظهر عليهم الوحمة وقت الولادة، في حين تظهر بعض الوحمات بعد أسابيع أو أشهر قليلة من الولادة. وتختلف الوحمات في الحجم والشكل واللون، وقد تظل موجودة مدى الحياة، في حين يختفي بعضها تدريجيًّا. وعادة تنقسم الوحمات إلى فئتين: الوحمات الوعائية والوحمات المصطبغة. تظهر الوحمات الوعائية نتيجة بعض التشوهات في الأوعية الدموية داخل الجلد أو تحته. وعادة ما يكون لونها ورديًّا أو أحمر أو أزرق بناءً على عمق الأوعية الدموية، وتظهر بشكل أساسي على الوجه أو الرقبة أو الرأس. ومن ناحية أخرى، تتكون الوحمات المصطبغة نتيجة فرط نمو الخلايا التي تكوِّن الأصباغ؛ إذ تشكل بقعًا بنية أو سوداء على الجلد.
مَشَّاية الكسالى
عندما بدأ طفلي الجلوس بمفرده، نصحني كثيرون بشراء مشاية الأطفال لتساعده على تعلم المشي، كما أنها ستمنحني بعض الوقت للقيام بعملي في أثناء تجوله بها. لا شك أن مشايات الأطفال تبدو ممتعة وأن الأطفال يستمتعون بها حقًّا؛ ومع ذلك، أعلنت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) أنها تعد من ألعاب الأطفال الخطرة.
في الواقع، في عام 2004، حظرت كندا بيع مشايات الأطفال في جميع أنحاء البلاد؛ لأنها يمكن أن تتسبب في حوادث وإصابات، مثل أن يصدم الطفل رأسه، أو أنه قد يسقط من المشاية أو من فوق الدرج. وبالإضافة إلى كونها خطرة، فقد ثبت أيضًا أن مشايات الأطفال يمكن أن تؤخر تطور بعض المهارات الحركية لديهم؛ والمفاجأة أنها قد تؤخر المشي.
من المتوقع أن يبدأ الأطفال المشي في أي وقت بين تسعة وثمانية عشر شهرًا. وحتى يخطو الطفل خطواته الأولى، من المهم أن تتطور مهارات عديدة أخرى. فتقييد الحركة وقضاء أوقات طويلة داخل مشايات الأطفال يعوقهم عن القيام ببعض الأنشطة، مثل قضاء بعض الوقت على بطونهم، أو محاولة الجلوس بمفردهم أو الزحف، أو محاولة الوقوف. سوف تساعد كل هذه الأنشطة على بناء عضلات رقابهم وظهورهم وأرجلهم؛ وذلك من أجل إعدادهم لاتخاذ خطواتهم الأولى.
ووفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، يمكن أن تقوي مشاية الأطفال الجزء السفلي من الساقين وليس الجزء العلوي من الساقين والوركين، والذي يُعد أمرًا ضروريًّا للمشي. بالإضافة إلى أن تعليق الأرجل لفترة طويلة من الوقت قد يؤدي إلى زيادة ضغط الوركين والعمود الفقري؛ الأمر الذي قد يؤثر في مشيهم دون استخدام المشايات لاحقًا.
مبكرو المشي
ويوجد مفهوم خاطئ شائع مرتبط بالمشي يثير مخاوف الآباء عندما يبدأ أطفالهم في المشي في مرحلة مبكرة؛ إذ يعتقدون أن ذلك سيؤدي إلى تقوس سيقان أطفالهم. الحقيقة هي أن معظم الأطفال يولدون بساقين مقوستين؛ لأن بعض العظام تدور قليلًا لتناسب المساحة الضيقة داخل الرحم. وهذا ما يُسمى بالسيقان المقوسة فسيولوجيًّا، وهي تعد جزءًا طبيعيًّا من نمو الطفل. عندما يبدأ الطفل الوقوف والمشي، قد يزيد التقوس قليلًا ثم يتحسن بمرور الوقت. وعند معظم الأطفال، يتحسن تقوس الساقين في سن الثالثة أو الرابعة.
ومع ذلك، قد يكون تقوس السيقان نتيجة مشكلات صحية خطيرة، مثل الكساح، وهي مشكلة في نمو العظام مرتبطة بنقص فيتامين (د) أو نقص الكالسيوم. وكذلك قد يكون نتيجة مرض بلاونت، وهو اضطراب في النمو يؤثر في عظام الساقين. إذا استبعدت المشكلات الصحية التي قد تتسبب في تقوس ساقَي طفلك، فيجب ألا تمنعه من محاولة الوقوف أو المشي.
مخزون المفردات عند الأطفال
«لماذا تعرضين صور الحيوانات لطفلك البالغ من العمر ستة أشهر؟ إنه صغير جدًّا، ولن يتذكر أو يتعلم شيئًا». من المعتقد أن ذاكرة الأطفال ضعيفة، وهذا ليس صحيحًا على الإطلاق. فما إن يولد الطفل، حتى يبدأ في التعلم؛ إذ تؤثر كل المحفزات المحيطة بالأطفال في تطور عقولهم. يعتمد الطفل على والديه لتوسيع عقله المحب للاستطلاع والتعلم. وعلى الرغم من أن الأطفال قد لا ينطقون كلماتهم الأولى قبل إتمام اثني عشر إلى ثمانية عشر شهرًا، فإنهم يبدأون في تعلم الكلمات وهم لا يزالون في أرحام أمهاتهم. ففي الواقع، هم قادرون على سماع الأصوات وتمييزها بدءًا من الأسبوع الثالث والعشرين من الحمل.
يُعد تفاعل الوالدين مع أطفالهم في مرحلة مبكرة – مثل قراءة الكتب لهم، وإجراء المحادثات معهم، واصطحابهم في نزهة في عربتهم – أمرًا ضروريًّا للمساعدة على تطوير مهارات الأطفال الاجتماعية والمعرفية والعاطفية. فقد ثبت أن ممارسة هذه الأنشطة أكثر فاعلية من إعطاء الطفل ألعابًا تعليمية معقدة؛ الأمر الذي قد يصيب الوالدين بالإحباط إذا لم يبدِ الطفل أي اهتمام بها. يميل الأطفال إلى التعلم من خلال المراقبة وتقليد الأشخاص من حولهم. ويمكن للوالدين أيضًا أن يعززوا نمو وتطور عقول أطفالهم من خلال الأطعمة التي يقدمونها لهم؛ فقد أثبتت الدراسات أن 75٪ من الطعام الذي يتناوله الأطفال يذهب مباشرة إلى عقولهم.
خرافة الكحل
تعتقد بعض الثقافات أن وضع الكحل على عيون الأطفال يمنع الشر، كما يعتقد البعض أن الكحل يحمي العين من أشعة الشمس الشديدة والأمراض التي قد تصيب العيون كذلك. في الواقع، إن استخدام الكحل ليس أمرًا آمنًا؛ لأن معظم منتجات الكحل تحتوي على مادة الرصاص السامة. ونظرًا لأن الجهازين الهضمي والعصبي لا يزالان في طور النمو، فإنهما أكثر عرضة للإصابة بالتسمم بالرصاص. فإن تعرضوا لمستويات منخفضة من الرصاص، سواء من خلال الاستنشاق، أو من خلال الجلد، أو عن طريق الفم، فإنه لا يزال بإمكانه إتلاف الكلى والتأثير في نمو العقل. ويمكن أن تؤدي المستويات العالية من الرصاص في الدم إلى الغيبوبة والتشنجات حتى الموت.
أنت تعلم الآن أن الوحمة التي لديك ليست بسبب أن والدتك لم تأكل نوعًا معينًا من الطعام كانت تتوق إليه، ولم يكن في موسمه وهي حامل. إذا تلقيت أي نصيحة قد تصيبك بالحيرة، فإن أفضل شيء هو استشارة الطبيب للتأكد من أن هذه النصيحة حقيقة أم خرافة فقط.
المراجع
healthline.com
kidshealth.org
parents.com
webmd.com
Cover image by Freepik.com