المقالات

عندما تفقد المحيطات ذاكرتها

شارك

تغطي المحيطات أكثر من ثلثي سطح الأرض، مع طبقة رقيقة (عمقها قرابة 50 مترًا فقط) من المياه الدافئة القريبة من السطح، والتي تغطي من تحتها المياه العميقة الباردة. على الرغم من أن عمق هذه الطبقة السطحية قليل نسبيًّا، إلا أن الحرارة النوعية الكبيرة للماء، بالمقارنة مع حرارة الغلاف الجوي الذي يعلوها، تحافظ على ثبات درجة حرارة الماء لوقت أطول، والحرارة النوعية هي كمية الطاقة الحرارية اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من المادة بمقدار درجة مئوية واحدة.

بينما نشهد تقلبات الطقس السريعة في الغلاف الجوي، نجد على الجانب الآخر أن درجة حرارة المحيطات تتغير ببطء؛ فمن المرجح أن تكون درجة حرارة المحيط غدًا قريبة جدًّا مما هي عليه اليوم -مع بعض التغييرات الطفيفة- لأنها تتمتع بذاكرة جيدة، وغالبًا ما تُستخدم تلك الذاكرة للتنبؤ بالأحوال المستقبلية للمحيطات. ووفقًا لدراسة حديثة نشرتها دورية «ساينس أدفانسيس» Science Advances، فإن معظم المحيطات تفقد ذاكرتها من سنة إلى أخرى، في ظل الاحترار العالمي واستمرار ارتفاع تركيزات غازات الدفيئة.

توجد غازات الدفيئة في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وتتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة تحت الحمراء المرتدة من سطح الأرض فتحتفظ بها وترفع درجة حرارة الهواء؛ ما يزيد ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي. ومن خلال دراسة النماذج المناخية، وجد الباحثون أن ذاكرة المحيطات تتدهور في رد فعل للاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري. ومع استمرار ارتفاع تركيزات تلك الغازات، يتوقع العلماء أن التدهور في ذاكرة المحيطات سيتجلى أكثر في العقود القادمة، إذ أشارت النماذج إلى أن هذه الذاكرة سوف تتلاشى بحلول نهاية هذا القرن. وقد اكتشف الباحثون تلك الظاهرة من خلال فحص الاختلاف في درجة حرارة سطح المحيط من عام إلى آخر بوصفه مقياسًا بسيطًا لذاكرة المحيط.

جديرٌ بالذكر أن النماذج المناخية تمثيلات رياضية للتنبؤ بحالة المناخ وتوقع التغيرات البيئية في العقود القادمة. وتوجد أنواع عديدة من النماذج المناخية التي تختلف في تعقيدها، وقد تشمل عدة متغيرات؛ مثل: حالة الغلاف الجوي، والمحيطات، وسطح الأرض، وتطور التربة، والغطاء النباتي، والبنى التحتية البشرية، وآليات الإدارة البيئية والاجتماعية، والقرارات السياسة البيئية.

يرجع الباحثون ظاهرة تراجع ذاكرة المحيطات إلى أن الطبقة العليا من معظم المحيطات ستتضاءل وتغدو ضحلة استجابةً لاستمرار الاحترار البشري المنشأ المستمر. تساهم أيضًا التغيرات في تيارات المحيطات والتغيرات في تبادل الطاقة بين الغلاف الجوي والمحيطات في إحداث تغييرات في ذاكرة المحيطات.

تضع هذه التغيرات العلماء أمام تحدٍّ كبير؛ إذ يتحتم عليهم عمل تغييرات جوهرية في نماذج نظم المناخ، كي يتمكنوا من التنبؤ بحالة المناخ في ظل الاحتباس الحراري مستقبلًا. ويتمثل التحدي أيضًا في انخفاض قدرتنا على التنبؤ والاستعداد للتغيرات التي تطرأ على المحيطات بما في ذلك موجات الحر البحرية، التي من المعروف أنها تسببت في تغيرات مفاجئة وواضحة في النظم البيئية للمحيطات حول العالم. ولا يقتصر تأثير فقدان ذاكرة المحيط على ذلك فقط، بل قد يؤثر أيضًا في الطريقة التي ندير بها مصايد الأسماك، وهي مناطق يكثر فيها وجود الأسماك التي تستخدم لأغراض تجارية.

على سبيل المثال، يحتاج الباحثون إلى تقييم المخزون السمكي في تلك المصايد. وتتحدد العوامل المستخدمة لتقدير المخزون على أساس أن الظروف البيئية مستقرة. فقد يؤدي تراجع ذاكرة المحيطات إلى جعل مثل هذا التقدير غير دقيق ويدعو إلى اتباع نهج جديدة في إدارة مصايد الأسماك.

قد يمتد أثر تدهور ذاكرة المحيطات إلى حدوث تأثيرات في الكائنات المختلفة في النظم الحيوية، اعتمادًا على ما إذا كانت هذه الكائنات تستطيع التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة. وقد يتأثر التنبؤ كذلك بدرجة الحرارة وتساقط الأمطار والثلوج، بسبب اعتماده على الثبات الحراري لسطح البحر بوصفه مصدرًا للتنبؤ.

مع استمرار تراجع ذاكرة المحيطات، سيواجه الباحثون تحديًا للبحث عن طرق بديلة للتنبؤ بحالة المحيطات. وبينما يبذل الباحثون جهدًا كثيرًا لضمان دقة التنبؤات بحالة المناخ، فإن المعلومات التي نحصل عليها من النماذج المناخية لا تزال تجريبية ولا أحد يعرف على وجه اليقين كيف يبدو المستقبل، ولكن هذه النماذج تساعدنا على أن نكون أكثر استعدادًا لمواجهة ما قد يكون في انتظارنا.

المراجع

science.org
nature.com
fisheries.noaa.gov
weather.gov

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية