دباغة الجلود وصباغة الأنسجة

شارك

تعتبر دباغة الجلود وصباغة الأنسجة من أقدم المهن التي اختبرت تطورات كثيرة، وكان للعرب الريادة في هاتين الحرفتين؛ حيث أسهموا في تطويرهما كثيرًا. فاستخدم الحرفيون العرب الجلود والأنسجة لصناعة قطع فنية رائعة لا تظل حتى الآن رمزًا لهوية الحضارة العربية العريقة، وقد كان للجهود التي بذلها العلماء العرب الفضل في تطوير هذه الحرف.

أما دباغة الجلود، فهي عملية معالجة الجلود الحيوانية كيميائيًّا؛ حيث تعتمد فكرة الدباغة على تفاعل ألياف الكولاجين الموجودة بالجلد مع عامل دباغة. يعمل التفاعل على سحب المياه من الجلد؛ لجعله متينًا ومقاومًا للماء، ونمو البكتريا، والتآكل. وتستخدم ثلاثة أنواع من الجلود في عملية الدباغة: جلود الماشية، وجلود الخراف، وجلود الخنزير؛ كما تستخدم جلود بعض الحيوانات الأخرى- مثل التماسيح والثعابين- لإنتاج منتجات جلدية فاخرة ومتميزة.

ولسهولة عملية الدباغة ووفرة المواد المستخدمة فيها كانت دباغة الجلود من أولى الحرف التي ظهرت في العالم القديم. وقد مرت الحرفة بتغيرات عديدة وتطورات واضحة. فاعتمدت طرق الدباغة قديمًا على استخدام عوامل دباغة مستخرجة من مصادر نباتية، وكانت الجلود تنقع في سلسلة من الأحواض المليئة بمستخلصات كيميائية تزداد نسبة تركيزها في كلِّ حوض تدريجيًّا؛ حيث تستخرج تلك المستخلصات من أوراق ولحاء بعض النباتات التي تحتوي على حامض التانيك، الذي يركز على المركبات البروتينية الموجودة بالجلود.

في العصور الحديثة، وبفضل التقدم العلمي، ظهرت طريقة أخرى باستخدام أملاح الكروم؛ حيث تضاف أملاح الكروم للجلود، ثم يتم رفع درجة حموضتها تدريجيًّا وببطء. هذه العملية تجعل الجلد أكثر مقاومة لدرجات الحرارة ونمو البكتريا، ويستخدم خلالها ما لا يقل عن 300 كجم من المواد الكيميائية لدباغة طن واحد من الجلود.

وأما صباغة النسيج، فهي عملية إضافة الألوان للأنسجة. وعادةً ما تنقع الأنسجة في محلول معين يحتوي على الصبغة ومواد كيميائية خاصة؛ حيث تتكون بعد الصباغة رابطة كيميائية غير قابلة للكسر بين جزيئات الصبغة والأنسجة.

يمكن صباغة الأنسجة أو الخيوط المستخدمة في صناعتها، كما يتم صباغة بعض الأنسجة بالطباعة. وللصباغة طرق مختلفة ولكلِّ نوع من النسيج نوع معين من الصبغات يختلف في التركيب الكيميائي، والتأثير، وطريقة استخدامه. ويعتبر التحكم في الوقت ودرجة حرارة عملية الصباغة العامل الرئيسي لنجاحها. في الماضي كانت مركبات الصبغة تستخرج من مصادر طبيعية مثل الحيوانات والنباتات. بعد ذلك ظهرت مركبات كيميائية صناعية للصباغة أكثر ثباتًا ومقاومةً للماء والاستخدام اليومي.

لقد اهتم العرب بتطوير الفنون والحرف اللازمة للحياة، بما في ذلك الصباغة والدباغة. فأثر التطور العلمي الذي قام به العلماء العرب في علوم الكيمياء، والصيدلة، والمعادن، والعقاقير، والمستخلصات الكيميائية من النباتات؛ كما أسهمت اكتشافات مشاهير العلماء – مثل: جابر بن حيان، وأبي بكر الرازي، وأبي منصور بن هراوي – في تطوير تقنيات الصباغة والمواد المستخدمة فيها.

يمكن التعرف على تأثير العرب في هذه الحرف من خلال تسمية العديد من الصبغات وبعض المصطلحات المستخدمة في صناعة الغزل والنسيج. على سبيل المثال، اشتق اسم اللون النيلي من كلمة "النيل" العربية، التي اشتقت منها الأسماء البرتغالية (anil)، والإيطالية (aniline)، والإنجليزية (aniline)، وكلها أسماء للون ذاته.

وتوجد أشهر المدابغ والمصابغ التقليدية في المدن القديمة بالمغرب، وهي مجهزة بعديد من الأحواض وتنتج مجموعة متنوعة من الجلود والأنسجة بألوان مختلفة. ولا تزال تلك الورش تعمل حتى يومنا هذا، منتجة أجود المنتجات في العالم.

احتل العرب مركز الصدارة في عديد من الحرف؛ حيث اشتهروا عالميًّا بدقتهم وابتكارهم؛ كما اهتم قادة العرب القدماء كثيرًا بتطوير هذه الحرف؛ الأمر الذي لا يحدث الآن مع الأسف. فقد فقدت هذه الحرف بريقها، وتخلى الحرفيون عن حرفهم. إن الحفاظ على تقاليدنا وحرفنا مهمة لا يمكننا إغفالها؛ فتعد القراءة والكتابة عن الحرف العربية خطوة هامة للحفاظ على تراثنا وانتقاله من جيل إلى آخر.

المراجع

https://books.google.com.eg
https://sites.google.com
www.britannica.com
www.epa.gov
www.fao.org

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية