ألياف الكربون: ثورة في عالم البناء

شارك

التطور سنة الحياة، وكل الأمم تتسابق إلى اختراع الجديد المفيد لتبقى؛ وإلا اندثرت تحت ركب التقدم السريع الكائن الآن. والمسكن مطلب من مطالب الإنسان الأساسية، مثله كمثل الأكل والشرب؛ لذا، اهتم الإنسان منذ بدء الخليقة بإيجاد السكن الآمن. فبدأ بسكن الكهوف، ثم تطورت المساكن من مرحلة البناء بالطوب اللبن والأخشاب إلى مرحلة استخدام مواد بناء عديدة، مثل: القرميد، والأسمنت، والخرسانة المسلحة، حتى وصلت إلى الشكل الذي أصبحت عليه اليوم. لكن، ما يشكل اليوم ثورة حقيقية في عالم البناء هو اختراع ألياف الكربون القائمة على خلط عنصر الكربون بمركبات أخرى لتستخدم بعد ذلك في البناء. فما الذي جعل ألياف الكربون اكتشافًا واعدًا منذ الوهلة الأولى؟ وجعلها تأخذ كل هذه الضجة؟ إليكم هذه الحقائق المشوقة عن ألياف الكربون لتحكموا بأنفسكم.

ألياف الكربون هي حزم تتكون من خيوط تحتوي على ذرات كربون يرتبط بعضها ببعض، وتختلط مع مركبات كيميائية أخرى. وبالرغم من أن سُمك الخيط الواحد أرفع من شعرة الإنسان، فإنها صلبة جدًّا ومقاومة للشدِّ. كانت البداية الحقيقية لاستخدام ألياف الكربون في منتصف القرن الماضي في الصناعات العسكرية. وقد أدى تزايد معدل الحروب وتضاعف الطلب على السلاح انتعاش استخدامه في صناعة الأسلحة الصُلبة الخفيفة، بالإضافة إلى المعدات الحربية الأخرى من طائرات وصواريخ، حتى الخوذات الواقية.

ومؤخرًا، صوتت الأكاديمية الوطنية للهندسة بأمريكا لألياف الكربون بوصفها أحد أفضل عشرين إنجازًا في القرن العشرين. ويعدُّ هذا الإنجاز واعدًا بالنسبة إلى قطاع البناء والتشييد؛ حيث تتسم ألياف الكربون بكثير من المميزات؛ فهي:

  • أصلب من الفولاذ بخمس مرات، أي تُعطي عامل أمان كبيرًا للمباني.
  • مرنة جدًّا؛ ما يجعلها سهلة التشكيل، وقابلة لتنفيذ أي تصميمات عصرية جديدة للمباني. وهذه الميزة بالإضافة إلى الصلابة قد تفيد جدًّا في إنشاء المباني المقاومة للزلازل.
  • سهلة النقل لأنها تتميز بخفتها؛ إذ تزن ثلث وزن الفولاذ رغم أنها أصلب منه.
  • تختصر الوقت والتكاليف؛ فيستغرق تنفيذ الهيكل البنائي باستخدام ألياف الكربون وقتًا أقل كثيرًا من الهياكل المصنوعة من الصلب أو الفولاذ.
  • مقاومة للحرارة، فتتحمل درجات الحرارة العالية. وتمددها الحراري منخفض أيضًا، أي تعزز قدرة المباني على التحكم في الحرارة، وعزلها عن ظروف الطقس المتغيرة خاصة في ظلِّ التغير الهائل للمناخ حاليًّا.
  • تتميز بقدرة عالية على المقاومة الكيميائية، وبمقاومتها للتآكل.
  • غير قابلة للاشتعال، حتى إنها تدخل في صناعة الملابس الواقية عند مكافحة الحرائق؛ لذا يمكن استخدامها في المباني المضادة للحرائق.
  • موصل جيد للكهرباء؛ لذا يمكن الاستفادة منها في هذا المجال. ولكن، هذه الخاصية قد تكون عيبًا خطيرًا؛ حيث إن غبارها قد يتراكم دون قصد في بعض الأماكن مسببًا شرارات ودوائر صغيرة في الأجهزة الكهربائية.

إذًا، بعد كلِّ هذه المميزات، ما الذي ينتظره مختصو مجال البناء لبدء استخدام ألياف الكربون بشكل واسع؟ الحقيقة أنه مثل كلِّ اكتشاف جديد، يلزم ألياف الكربون وقتًا حتى تُخْتبر على نطاق واسع، ثم تُنشأ المصانع التي تنتجها بدرجة تلبي الاحتياجات. هذا، وتتحقق أقصى استفادة من ألياف الكربون عند استخدامها على نطاق واسع، وهو ما يلزم وجود معدات قوية قد يصعب وجودها حاليًّا وربما تتوافر في المستقبل القريب. على سبيل المثال، يمكن استخدامها في عمل سقف صلب وخفيف متصل بلا فواصل لتغطية استاد كبير بدون استخدام أعمدة كبيرة لحمله، إذ تقلل الأعمدة بالضرورة من المساحة المتاحة. فتخيل معي إذا افترضنا إتمام بناء هذا السقف؛ فعملية نقله يلزمها تقنية خاصة، وإذا تم النقل، فما الآلات العملاقة التي يمكنها رفع هذا السقف وتركيبه؟

تخلِّف ألياف الكربون أيضًا كمًّا كبيرًا من النفايات التي يصعب التخلص منها؛ ما قد يتسبب في مشكلات بيئية خطيرة. السبب هو أن طريقة صناعتها أصلًا تتطلب ضغطًا بدرجة معينة لإعطائها صلابة تجعلها مقاومة للذوبان. ولإعادة استخدامها يجب حرقها كليًّا أو إذابتها كيميائيًّا لإعادة استخلاصها واستخدامها مرة أخرى. لذا، تتناول الدراسات حاليًّا كيفية إعادة تدوير ألياف الكربون لمنع التسبب في مشكلة بيئية، وتوفير الطاقة المستخدمة في إنتاج ألياف جديدة.

هذا، ولا يقتصر استخدام ألياف الكربون على مجال البناء والتشييد فقط؛ فمرونة ألياف الكربون وصلابتها في الوقت نفسه تجعلها واسعة الاستخدام. فمثلًا تستخدم في صنع هياكل سيارات السباق، وأجنحة الطائرات، وصواري المراكب الشراعية، وإطارات الدراجات، والمركبات الفضائية، والتلسكوبات والآلات البصرية، حتى أغطية الهواتف المحمولة المقاومة للكسر أو التمزق والصدمات. وعلى الصعيد الطبي، تستخدم ألياف الكربون في صناعة الأطراف الصناعية. وتُجرى الآن أبحاث حول استخدامها في علاج الأربطة الصليبية المصابة في الركبة.

إنها حقًّا مادة واعدة من شأنها تغيير شكل كثير من الصناعات والمجالات، ولا سيما مجال البناء. وعالمنا في حاجة ملحة إلى مزيد من تلك الطفرات، وإلى تعجيل تطبيقها، وتذليل الصعوبات المتعلقة بها من أجل تحقيق أهدافه الإنمائية.

المراجع

autodesk.com

engineeringcivil.com

theguardian.com

Cover Image by freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية