يراقب الإنسان منذ الأزل السماء بعينيه المجردتين، ويرصد مختلف النجوم المضيئة فيها. فلاحظ الإنسان قديمًا أن النجوم تشكل معًا مجموعات يتكرر ظهورها في أوقات معينة في السنة أو خلال السنة كلها، فأطلق عليها اسم الأبراج. ومع تعمق فهمنا لفيزياء الكون وتطور آلات الرصد، تبين أن نجوم تلك المجموعات تترافق معًا مؤقتًا ثم يكمل كل نجم مسيرته منفصلًا عن النجوم الأخرى؛ أي أنها مجموعات ظاهرية فقط، وعناصرها غير مرتبطة بعضها ببعض فيزيائيًّا. وفي المقابل، اكتُشفت مجموعات نجمية مرتبطة بعضها ببعض بقوة الجاذبية.
قبل 500 عام فقط، لم يكن من الممكن تحديد إذا ما كان الجسم مجموعة نجمية أو لا؛ فعرِّف عديدٌ من المجموعات النجمية على أنها سُدُم. ومع نجاح جاليلي جاليليو في رصد السماء سنة 1610 باستخدام التلسكوب الذي صنعه بنفسه، فُتح بابٌ جديد بين الإنسان والسماء. وطوَّر الراصدون بعدها التلسكوب، حتى حاول ويليام هرتشل رصد السماء المرئية كاملةً في نهاية القرن الثامن عشر، واستطاع تصنيف الأجسام التي رصدها إلى سُدُم ومجموعات نجمية.
تطوّرت قدرات التلسكوب ونُشرت مصنفات عديدة للأجسام؛ مثل مصنف جيوفاني باتيستا هوديرنا (1675)، ومصنف نيكولاس لويس دي لاكاي (1755)، ومصنف شارل ميسيير (1784)، ومصنف ويليام توماس شابلي (1916) الذي ظهر فيه مصطلح «المجموعات النجمية» لأول مرة. وقد شملت هذه المصنفات السدم والمجموعات النجمية الكونية والمفتوحة. تتسم المجموعات الكونية بأنها تحمل عددًا هائلًا من النجوم التي ترتبط معًا بقوى جاذبية عالية، أما المجموعات المفتوحة فهي تحمل عددًا أقل من النجوم المرتبطة معًا بقوى جذب أضعف. وبعد ذلك، ظهرت عدة مصنفات، من أهمها WEBDA سنة 1966.
في نهاية 2013، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية مرصدًا فضائيًّا في مهمة عُرفت باسم «غايا» GAIA. تهدف المهمة إلى رسم أكبر خريطة ثلاثية الأبعاد للكون رُصدت في التاريخ. وبالفعل تمكن التلسكوب حتى الآن من رصد أكثر من مليار جسم في السماء. أُطلق مرصد غايا ليتحرك حول نقطة «لاغرانج 2» التي تبعد واحد ونصف مليون كيلومتر من الشمس. وتتميز تلك النقطة باتزان قوى الجذب عندها، بالإضافة إلى أنها تدور حول الشمس بذات معدل دوران الأرض حولها ما يتيح رؤية واضحة للأرض. ومن المقرر أن تنتهي مهمة غايا في 2025.
يقيس غايا الحركة الصحيحة والتزيح للأجسام بدقة أعلى 104 مرة من القمر الصناعي «هيباركوس» الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية في 1994؛ ما سمح باكتشاف مجموعات نجمية جديدة وتحديد خصائصها الضوئية والمطيافية والفلكية والحركية. ويعتمد العلماء على البيانات الفلكية القادمة من مرصد غايا في تحديد النجوم العضوة في المجموعات النجمية وبعدها عنا.
بعد آخر إصدار للبيانات من غايا، ومع الكمية الهائلة من البيانات الفلكية التي وفّرها للفلكيين، تغيَّرت وجهات نظر عديد من علماء الفلك في العمل. ووفقًا لأنتوني براون (2021)، رئيس اتحاد معالجة وتحليل البيانات لمشروع غايا، فقد أصبح المرصد «جزءًا لا غنى عنه من النظام البيئي الفلكي».
تساهم البيانات الضوئية والفلكية والمطيافية التي يرصدها غايا مباشرةً في تحديد السرعات الدقيقة للنجوم والمجموعات الموجودة في محيط الشمس، ومن ثم في تقدير الخصائص الكيميائية الديناميكية للجوار الشمسي. ومع تحديد النجوم العضوة في المجموعات النجمية باستخدام بيانات قياس فلكية عالية الدقة، يصبح من الممكن تحديد الخصائص الفيزيائية الفلكية للمجموعات بشكل دقيق أيضًا.
تُعد المجموعات النجمية لبنات أساسية في تكوين المجرات، وإن فهم كيفية تشكلها، وتطورها، وخصائصها، وخصائص النجوم العضوة فيها يساهم بشكل مباشر في فهم كيفية تكوُّن المجرات والكون وتطورهما.
المراجع
Hunt, E. L., Reffert, S., 2023, Improving the Open Cluster Census. II. An All-Sky Cluster Catalogue with Gaia DR3, Astronomy and Astrophysics
He, Z., Wang, K., Luo, Y., Li, J., Liu, X., Jiang, Q., 2022, A Blind All-sky Search for Star Clusters in Gaia EDR3: 886 Clusters within 1.2 kpc of the Sun, The Astrophysical Journal Supplement Series
Herschel, W., 1864, Catalogue of Nebulae and Clusters of Stars, Philosophical Transactions of the Royal Society of London
Harris, W. E., 2010, A New Catalog of Globular Clusters in the Milky Way, eprint arXiv
Cover image: The Gaia 1 open star cluster next to Sirius/wikimedia.org