حتى إذا لم يكن بعضنا قد ولد وقت انطلاق السباق إلى الفضاء الخارجي، فقد تطرقت أخباره إلى آذاننا. بدأ هذا السباق الشهير خلال الحرب الباردة عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي − اللتين لم تكونا على وفاق حينذاك − تتسابقا في اكتشاف الفضاء الخارجي وإجراء البحوث والإنجازات، في محاولة لتصبح كلٌّ منهما الرائدة في مجال الفضاء. بدأ هذا السباق عام 1955 وانتهى بحلول عام 1991، وقد نتج عنه إنجازات كثيرة لكلٍّ من الدولتين اللتين تتمتعان بحضور قوي في مجال الاكتشافات الفضائية حتى يومنا هذا. الفارق الوحيد الآن هو أنهما ليستا الوحيدتين في السباق؛ فقد لحقت بهما الصين، وأوروبا، والهند، واليابان.
تأخرت الصين في اللحاق بالسباق؛ حيث أطلقت برنامجها الفضائي في خمسينيات القرن العشرين وأطلقت أول أقمارها الصناعية في سبعينيات نفس القرن، وقد أرسلت أول مهمة فضائية بشرية عام 2003 لتحتل المركز الثالث في إطلاق المهمات الفضائية البشرية. وعلى الرغم من تأخر بدايتها، فقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة الأمريكية في عدد المهمات السنوية؛ كما أنها تحتل المركز الثاني كأفضل بلد في عدد الانطلاقات الناجحة بعد أوروبا. تقول الدكتورة جوان جونسون-فريز من جامعة الحروب البحرية الأمريكية: «تأخذ الصين منهجًا مختلفًا عن الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد قمنا بعديد من الانطلاقات، في حين تطلق الصين مهمة كلَّ ثلاث سنوات تقريبًا، ولكنها تحقق إنجازًا مع كلِّ مهمة فضائية».
ولإدارة الفضاء الوطنية الصينية أهداف كثيرة طويلة المدى؛ أحدها تطوير مكانتها في عالم علوم الفضاء من خلال الترحيب بالشراكات الدولية والعمل مع وكالات فضاء أخرى، مثل وكالة الفضاء الأوروبية. ومن أهدافها الأخرى التي تلوح في الأفق إرسال مهمة روبوتية إلى الجانب المظلم من القمر، وذلك قبل إرسال مهمة بشرية إلى القمر بحلول عام 2030.
وتخطط لإنشاء محطة فضائية بطاقم. ويوجد ثلاث محطات فضائية تعمل في المدار؛ محطة الفضاء الدولية، ومحطتان الفضاء الصينيتان: تيانجونج 1 وتيانجونج 2 (اللتان أطلقتا في 2016). تم تجميع هاتين المحطتين وبناءهما على مدار الوقت كلما أطلقت مهمة بشرية؛ حيث تضيف كلُّ مهمة جزءًا. هذه المحطات موجودة حتى يتسنى لرواد الفضاء دراسة تأثير الإقامة لفترة طويلة في الفضاء في جسم الإنسان، وكيفية زراعة الطعام في الفضاء، ودراسة الظواهر الفضائية، وإجراء التجارب التي لا يمكن إجرائها إلا في الفضاء الخارجي.
ومحطات الفضاء الصينية ليست مأهولة بالبشر دائمًا؛ فعلى عكس محطة الفضاء الدولية هذا هدف مؤجل بالنسبة للصينيين. وقد وقَّعت الصين اتفاقية مع مكتب الأمم المتحدة لشئون الفضاء الخارجي للسماح لرواد الفضاء التابعين للأمم المتحدة باستخدام المحطة. هذا سيمكن رواد الفضاء من القيام بالأبحاث، خاصة هؤلاء القادمين من البلدان النامية التي تجد اكتشاف الفضاء باهظًا للغاية.
وأرجع وانج شي من مركز علوم الفضاء الوطني أحد أسباب إصرار الصين على ترك بصمتها في مجال اكتشافات الفضاء قائلاً: «مع تطور برنامج الصين الفضائي، نحاول ترك بصمتنا عن الكون في المعرفة البشرية». وعلى الرغم من أن ذلك مثير للإعجاب، فإن ترك بصمتك في الفضاء شيء يدعو إلى الفخر ويشير إلى قوة البلد؛ وهو الدافع وراء بداية سباق الفضاء في المقام الأول.
ليس من الغريب إذًا أن تنفق الصين قرابة ستة مليارات دولارٍ سنويًّا على برنامجها الفضائي، وهو رقم لا يقارن بالولايات المتحدة الأمريكية التي تنفق أربعمائة مليار دولارٍ سنويًّا. ولكن، إذا قمنا بالمقارنة بين مبلغين مختلفين، فسنكتشف أن إنفاق الأموال الطائلة ليس الحل الأمثل في جميع الأحوال. فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية ﺑتسع عشرة انطلاقة فضائية فقط في عام 2013، في حين قامت الصين ﺑأربع عشرة انطلاقة ناجحة، وقامت روسيا بواحدة وثلاثين انطلاقة ناجحة. وهذا يدل على أن الصين تعمل بشكل احترافي للغاية بناءً على ما حققته حتى الآن؛ فمستقبلها مشرق مثل النجوم التي تسعى إلى الوصول إليها.
المراجع
www.theguardian.com
www.nbcnews.com
www.nytimes.com
www.space.com