إمحوتب: أول عالم فلك في العالم

شارك

على قاعدة من الحجر الجيري تمثِّل كلَّ ما تبقى من تمثال الملك زوسر بالحجم الطبيعي، وجدت نقوش فريدة. تسجل هذه النقوش – لأول وآخر مرة في التاريخ المصري القديم – اسم وألقاب شخص لا ينتمي للبلاط الملكي على تمثال ملكي. اسم هذا الشخص هو إمحوتب، وهو المهندس المعماري الملكي الذي ينسب إليه إنجاز بناء أول هرم في مصر.

اتفق كثير من الباحثين على أن إمحوتب استحق تكريم الملك زوسر الذي أمر بنقش اسمه وألقابه على تمثاله؛ وذلك لأن إنجازاته المعمارية لم تحقق أمنيات الملك في بناء مقبرة استثنائية تخلِّد اسمه فحسب، ولكن كانت طفرته المعمارية بمثابة بداية عهد جديد في الحضارة المصرية. فقد مثَّلت نقطة الانتقال بين فترتين تاريخيتين أساسيتين؛ وهما عصر الأسرات المصرية المبكرة (3050−2686 ق.م.) وعصر الدولة القديمة (2686−2181 ق.م.). ومن دون ثورة إمحوتب المعمارية، لم يكن قدماء المصريين ليبنوا هرم الجيزة الأكبر بعد ثمانين عام من بناء هرم زوسر المدرج في سقارة.

تمثل أول إسهامات إمحوتب العلمية في استخدام الحجارة على نطاق واسع بوصفها مادة البناء الأساسية؛ وبهذا انتقلت العمارة من الاعتماد على الطوب اللبن إلى الحجارة. إلا أن إمحوتب لم يكن مهندسًا معماريًّا فحسب، بل كان لقبه «ور- مأاو؛ أو المحدق إلى النجوم العظيم»، أي عالم الفلك، وهو منقوش ما بين ألقاب إمحوتب على قاعدة تمثال زوسر المعروضة حاليًّا في متحف إمحوتب بسقارة. وقد عكف كثير من الباحثين على دراسة اللقب؛ فاتفقوا جميعًا أن إمحوتب كان كاهنًا أيضًا في معبد الشمس الخاص بالإله رع في مدينة أون القديمة، والمعروفة حاليًّا بعين شمس في القاهرة.

في الواقع، كان هناك ارتباط وثيق بين العمارة وعلم الفلك في مصر القديمة. فيصطف كلُّ مكوِّن معماري في جسم الهرم في موضعه وفقًا لمواضع النجوم ووفقًا للاتجاهات الأربعة الفعلية للعالم. والحقيقة أن جميع الأهرامات الخاصة بالدولة القديمة تختلف في أشكالها وأحجامها، إلا أنها جميعًا تتبع نهج الاتجاهات والاصطفاف ذاته. فمدخل الهرم يقع في منتصف واجهته الشمالية ويقع المعبد الجنائزي في الجهة الشرقية من الهرم؛ وذلك بدءًا من الأسرة الرابعة وما يليها.

وكان علم الفلك مرتبطًا بعديد من المجالات الحياتية عند قدماء المصريين إلى جانب عمارة مقابرهم ومنازلهم. فاختراع أول تقويم مصري قديم اعتمد على ملاحظة القمر والنجوم، كما اعتمدت الاحتفاليات الكبرى بالآلهة المصرية القديمة على مواضع النجوم.

وبفضل المعابد المحفوظة جيدًا من العصر اليوناني الروماني، مثل: دندرة، وإسنا، وإدفو، نعرف أن المعابد ضمت درجًا أو أكثر تؤدي إلى سطوحها حيث يوجد مكان مخصص يقوم فيه الكهنة أو علماء الفلك بملاحظة النجوم. هذا، وتشهد دائرة البروج الخاصة بمعبد دندرة – وهي معروضة الآن بمتحف اللوفر – على مدى تقدم علم الفلك في مصر القديمة. كما أظهرت أعمال التنقيب الأثري المبكرة في أجسام أهرامات الدولة القديمة أن المعابد الجنائزية أيضًا ضمت درجات تؤدي إلى سطوحها لنفس الغرض؛ وهو ملاحظة النجوم لتحديد المواعيد الدقيقة للاحتفال بالأعياد المقدسة للإلهة، والأهم من ذلك وضع مواعيد الشعائر الجنائزية المقامة للملك المتوفى.

كان إمحوتب قائدًا ورائدًا في مجالات العمارة والفلك والإدارة، مما ساعد على إثراء الحضارة المصرية القديمة. ولا عجب في أن المثقفين في مصر القديمة اتخذوه مثلًا أعلى؛ فكان قدماء الناسخين والكتَّاب يسكبون المياه إجلالًا له عند ذكر اسمه قبيل الشروع في مشروعاتهم. وفي العصور التالية، انضم إمحوتب إلى مجمع الآلهة ومُجِّد بين آلهة المعرفة والشفاء.

وعلى الرغم من المعلومات الكثيرة التي نعلمها عن إمحوتب من مختلف الحقب الزمنية، فإننا لا نعلم شيئًا عن أسرته أو عن نشأته. كما لا تزال مقبرته لغزًا محيرًا حتى يومنا هذا. تُشير المؤلفات المصرية القديمة إلى أن والده كان مزارعًا من عامة الناس. ولا شك في أن إمحوتب سيظل في قلوب المصريين بوصفه المؤسس الحقيقي لجمال مصر الأخاذ.

اقرأ المزيد

B. J. Kemp, Ancient Egypt, Routledge 2005, p.159.

M. Lichtheim Ancient Egyptian Literature: A Book of Readings, University of California Press 1980, P. 106.

J. Malek, “The Old Kingdom” in The Oxford History of Ancient Egypt by I. Shaw (ed.), Oxford University Press 2002. p.92.

J. Kahl, "Old Kingdom: Third Dynasty" in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt by D. Redford (ed.) Vol.2, p. 592.

Banner Image:

Copper Alloy statue of Imhotep, Kemet, 600-30 BCE
Credit: Science Museum, London. Wellcome Images

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2025 | مكتبة الإسكندرية