لطالما كان استكشاف الفضاء الخارجي حلم البشر؛ فتمنى البشر الدوران حول كوكب الأرض واكتشاف أسرار الكون منذ قديم الأزل. في الواقع، تنفق الحكومات مبالغ كثيرة على الأبحاث والبعثات إلى الفضاء الخارجي لكشف أسرار كوننا المذهل. وفي العام المقبل، لن يقتصر السفر إلى الفضاء على رواد الفضاء المدربين فقط؛ بل يمكنك حجز تذكرتك الآن لاكتشاف الفضاء بنفسك.
منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وعدت شركات كثيرة المواطنين برحلات إلى القمر وبمنازل جديدة على كوكب المريخ؛ ولكن لم توفِّ أي منها بوعدها حتى الآن. إلا أنه بدءًا من العام المقبل، ووفقًا لمسئولي وكالة ناسا الفضائية، سيصبح بمقدور شركات القطاع الخاص إرسال المواطنين في رحلة العمر كجزء من مبادرة للمساعدة في خلق اقتصاد مستدام في المدارات الأرضية المنخفضة.
في أواخر تسعينيات القرن الماضي، أُسِّست شركة سبيس أدفنشرز المحدودة (Space Adventures Ltd) وبدأت بالعمل مع المواطنين الراغبين في السفر إلى الفضاء الخارجي. وفي عام 1999، تأسست كل من إكسكور إيروسبيس (XCOR Aerospace) وبيجلو إيروسبيس (Bigelow Aerospace) للغرض ذاته. وفي عام 2010، نجحت شركة فيرجن جالاكتيك (Virgin Galactic)، وهي شركة رحلات تجارية فضائية، في إرسال رحلات إلى الفضاء قبل معانتها خسارة فادحة في أكتوبر 2014 عندما تحطمت مركبتها في إس إس إنتربرايز خلال رحلة تجريبية مزودة بالأفراد.
في 13 ديسمبر 2018، نجحت فيرجن غالاكتيك في اختبار سبيس شيب تو (SpaceShipTwo) بنجاح، التي اعْتُرف بها من قبل إدارة الطيران الفيدرالية وبرنامج ناسا للطيران رسميًّا بقدرتها على الوصول إلى الفضاء الخارجي وفقًا لمعايير الأمم المتحدة. فأبحر الطياران مارك ستاكي وفريدريك ستوركوف بالطائرة الفضائية على ارتفاع 82.7 كيلو مترًا، وقد منح الطياران وسام رواد الفضاء من وزارة النقل الأمريكية بعد الاختبار الذي قاما به من ميناء موجاف الجوي، كاليفورنيا.
وخلال مؤتمر صحفي هذا العام، أعلنت وكالة ناسا الفضائية استراتيجيتها لفتح محطة الفضاء الدولية للأعمال التجارية كجزء من سعيها إلى تسريع تحقيق اقتصاد تجاري مزدهر في المدارات الأرضية المنخفضة. وتأمل وكالة ناسا أن يساعد دخل السياحة الفضائية في تمويل مشروعاتها الخاصة بعلوم الفضاء واستكشافه، بما في ذلك رحلات القمر وكوكب المريخ.
خلال العام القادم، ستوفر شركة فيرجن جالاكتيك رحلات إلى حافة الفضاء السفلى وستنطلق من نيومكسيكو. وبهذا ابتاع أكثر من 700 شخص تذاكر لهذه الرحلة التي يتراوح ثمن تذكرتها من 200 إلى 250 ألف دولار أمريكي. سيكون على متن كل رحلة ستة مسافرين يختبرون بضع دقائق من انعدام الوزن، بالإضافة إلى مشاهدة كوكب الأرض من الفضاء قبل هبوط المركبة الفضائية على الأرض مجددًا. ستستغرق المغامرة بأكملها حوالي 90 دقيقة.
وسترسل الشركتان الخاصتان الأمريكيتان سبيس إكس وبوينج أيضًا رواد فضاء إلى المدار. وقد تعاقدت وكالة ناسا الفضائية مع الشركتين لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، كما تخطط الشركتان لإرسال رواد فضاء تابعين لهما أيضًا. هذه الخطوة بالغة الأهمية لجعل الفضاء متاحًا ويسهل الوصول إليه من قبل الرحلات السياحية. وقد بدأت شركة سبيس إكس في مناقشة إرسال رحلات سياحية إلى القمر بحلول عام 2023.
على الرغم من تمركز معظم أنشطة السياحة الفضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن بعض الدول الأخرى تتطلع إلى اقتحام المجال. فقد أبرمت شركة فيرجن جالاكتيك اتفاقيات مع شركاء دوليين في إيطاليا والإمارات العربية المتحدة للنظر في فرص إقلاع الرحلات من مطاراتها، وتوفير سبل الوصول المحلية لبيئة الجاذبية الصغرى لقطاعات العلوم، والتعليم، والتكنولوجيا في دولهم.
بقدر ما يبدو ذلك مبشرًا، يعتقد أنصار البيئة أن السياحة الفضائية أمر غير ضروري قطعًا، وسيلحق الدمار بالغلاف الجوي لكوكب الأرض من أجل متعة قليلين. فيفترض الخبراء أن إطلاق الصواريخ يمكنه التسبب بأضرار طويلة الأمد في طبقة الأوزون؛ حيث تتفاعل المواد الكيميائية التي تطلقها الصواريخ بعضها مع بعض في الغلاف الجوي العلوي مستنفدة حوالي 1٪ من الأوزون الذي يحمينا من أشعة الشمس الضارة.
ويضر إطلاق الصواريخ بالغلاف الجوي. فعندما ينطلق صاروخ في الغلاف الجوي العلوي، يحرق الكيروسين ويرسب مواد كيميائية، منها الكلور، في الهواء المحيط به. يدمر الكلور جزيئات الأوزون التي تحمي الكوكب من أشعة الشمس الضارة؛ مما يؤدي بدوره إلى الاحتباس الحراري.
ليس هذا هو الضرر الوحيد الذي يمس طبقة الأوزون بسبب إطلاق الصواريخ؛ فحرق وقود الصواريخ يطلق أيضًا الكربون الأسود، أو السخام، وأكسيد الألومنيوم. تشكل جزيئات السخام «مظلة سوداء» تمتص أشعة الشمس وتسخن الهواء المحيط بها؛ في حين تعكس جزيئات أكسيد الألومنيوم الحرارة بعيدًا مثلما تفعل رقائق الألومنيوم. يعمل هذان التأثيران معًا على جعل سطح كوكب الأرض أكثر برودة؛ على أن تبريد سطح الأرض على حساب تسخين الغلاف الجوي العلوي ليس بالأمر الجيد كما قد يبدو. فيشير الغلاف الجوي العلوي الدافئ إلى سرعة حدوث التفاعلات الكيميائية التي تستنفد طبقة الأوزون؛ مما يفاقم المشكلة التي يحدثها الكلور. في الواقع، ارتفعت درجة حرارة الغلاف الجوي العلوي، كلما تسارع تدمير طبقة الأوزون التي تحمي كوكبنا.
وفقًا لتقرير صادر عن الدكتور مارتن روس، كبير مهندسي مشروعات الإطلاق التجاري في شركة إيروسبيس، وزميله الدكتور جيمس فيدا– فإن إطلاق الصواريخ يتسبب في فقد حوالي 0.1 ٪ من الأوزون. إذا زادت عمليات الإطلاق بنسبة 10٪ في العقود القليلة المقبلة مع قيام الحكومات والشركات بإطلاق مزيد من الأقمار الصناعية والسياح في الكون، فهذا يعني القضاء على 1٪ من طبقة الأوزون. وتشكل الصواريخ خطرًا على طبقة الأوزون، الأمر الذي من شأنه تعطيل التقدم الكبير الذي تم لإصلاح استنفاد الأوزون في السنوات الثلاثين الماضية.
علاوة على ذلك، فقد يواجه سائحو الفضاء بعض المشكلات الصحية الناجمة عن الجاذبية الصغرى، والإشعاع بين النجوم، والتسارع. ربما لن تزيد الرحلات القصيرة من هذه المخاطر، لكننا لن نتأكد من ذلك حتى يتم إطلاق الطائرات الفضائية الأولى. فالجاذبية الصغرى تؤثر بشكل خطير في عملية التمثيل الغذائي، وتنظيم الحرارة، ونبضات القلب، وقوة العضلات، وكثافة العظام، والبصر، والجهاز التنفسي.
عندما يبتعد الصاروخ عن الأرض، سيتعرض الركاب لقوى تسارع تصل قوتها إلى ثلاثة أضعاف قوة الجاذبية التي اعتادوا عليها على الأرض؛ فيؤدي هذا إلى الضغط على القلب أثناء ضخه الدم إلى المخ. وإذا لم يجلس الركاب بشكل صحيح، يمكن إصابتهم بنزيف في المخ ويلاقون حتفهم. ومن ثمَّ، فمن الضروري الكشف على جميع سائحي الفضاء للتأكد من صحة قلوبهم واستعدادها بشكل كافٍ للرحلة.
تبدأ الرغبة غالبًا في القيء والشعور بالغثيان فور شعور الركاب بانعدام الوزن؛ لهذا يجب أن يستعد أي مشارك في رحلة الفضاء لدوار الحركة والخلط بين مكان الوقوف ومكان الجلوس. وهذا سوف يسهل على رواد الفضاء الذين سافروا إلى الفضاء بضع مرات التأقلم مع الوضع، في حين لن يتوقع سائحو الفضاء كيفية رد فعل أجسامهم. سيخضع الركاب الذين سيسافرون إلى الفضاء لفحص طبي، كما سيكون عليهم الاستعداد للرحلة والتدريب المكثف على التخلص من التوتر الناجم عن تجربة شيء جديد كليًّا في بيئة جديدة تمامًا.
بين التكاليف الباهظة، والمخاطر الصحية، والمخاوف البيئية التي لا تزال قيد الإثبات، إذا كنت من محبي الفضاء وتحلم بالسفر إليه، فسيكون لزامًا عليك قريبًا اتخاذ قرار شائك؛ سواء بتحقيق أحلامك أو الانتظار والترقب.
المراجع
america.cgtn.com
cnet.com
digitaltrends.com
howstuffworks.com
interactive.satellitetoday.com
latimes.com
livescience.com
observer.com
wired.co.uk
Banner image: AI generated by Freepik.