من النادر أن نشهد أعمالاً بطولية خارقة في حياتنا اليومية؛ إلا أنها تصبح حقيقة عندما يجد الإنسان نفسه في موقف «حياة أو موت».
ففي المواقف الخطرة تتهيأ أجسامنا إما لمواجهة الموقف بشجاعة أو الهروب منه. ويُعتقد أن ردة الفعل في مواقف "الحياة أو الموت" قد تطورت نتيجة الأوضاع المعيشية المتردية في العصور القديمة عندما كان البشر بحاجة إلى الهروب من الحيوانات المفترسة أو المحاربة حتى الموت من أجل البقاء على قيد الحياة.
فعندما يجد الفرد نفسه في موقف حياة أو موت، يحتاج لأن يكون جسده في أفضل حالاته؛ بمعنى أن تكون عضلاته وردود أفعاله مستعدة للتعامل مع الموقف بأساليب تفوق قدراتها الفعلية، كما يجب أن تكون حواس الفرد منتبهة وفي أتم استعداد لمساعدته على البقاء على قيد الحياة.
ففي العام الماضي، قامت فتاة من فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية بعمل بطولي؛ حيث تمكنت من إنقاذ حياة والدها. وكان والدها يقوم بإصلاح سيارته بمرآب منزلهما، وكان تحت السيارة، فجأة انزلقت الرافعة التي ترفع السيارة مما أدى إلى سقوطها فوقه. حينها وجدت لورين كورناكي، ابنة الرجل، أباها ملقى على الأرض ولا يستجيب لها، فقامت برفع السيارة وسحبته وأجرت له تنفسًا صناعيًّا.
تعافى الأب بعد ذلك في المستشفى، ولولا عمل ابنته البطولي لما بقي هذا الرجل على قيد الحياة. ولكن، كيف لفتاة في الثانية والعشرين من عمرها رفع سيارة بنفسها؟
خلال المواقف العصيبة والمرعبة مثل الموقف الذي وجدت لورين نفسها به، عند رؤية أبيها تحت السيارة بدون حركة، ينشط الهيبوثالامس. والهيبوثالامس مسئول عن الحفاظ على توازن الجسم أو الحفاظ على التوازن الفسيولوجي. وللهيبوثالامس اتصال مباشر بالنخاع الكظري – وهو موجود وسط الغدد الكظرية – وتقوم بإفراز هرمون الأدرينالين.
والمغزى من انطلاقة الأدرينالين هو أننا نستخدم نسبة بسيطة فقط من قدرات عضلاتنا. فعند ضخ الأدرينالين في جهازنا الدوري، يتحرك الدم من القناة الهضمية إلى العضلات، وهذا يعني بالتالي تدفق أكسجين أكثر إلى العضلات.
كما يسهل الأدرينالين أيضًا من تحويل مصدر الطاقة المختزنة للجسم، وهو الجليكوجين، إلى وقود في صورة جلوكوز. فيقوي مزيج الأكسجين الزائد ومستويات الطاقة العضلات لتعمل بمستوى أعلى من الطبيعي.
اكتشف عالم الكيمياء الحيوية إيرل ساذرلاند أن الأدرينالين يسرع من تكسير السكر في الكبد لتوفير الطاقة سريعًا خلال الأوقات العصيبة. كما اكتشف لاحقًا أن الهرمونات تقوم بتحفيز خلايا الفرد في خطوتين فقط.
أولاً، تتعلق بمستقبل على سطح الخلية، ثم يقوم المستقبل بعد ذلك بإطلاق المخزون داخل الخلية: جزيء يعرف باسم الأدونيز مونوسفات الدوري(2). لاحظ ساذرلاند بعد ذلك أن الأدونيز مونوسفات الدوري له دور هام، فهو يعمل كوسط للعديد من الهرمونات التي تقوم بتنظيم الأيض في الكائنات البسيطة والمعقدة. ومن أجل ذلك الاكتشاف العظيم، فقد حصل على جائزة نوبل عام 1971.
قال جوردون لينش، العالم الفسيولوجي بجامعة ملبورن بأستراليا والذي كان يبحث في المسارات الكيميائية التي تؤثر على قوة العضلات "يعزز إطلاق الأدرينالين تدفق الدم للعضلات النشطة، ويسرع الأيض، ويعزز من قدرة العضلات على التقلص بقوة وطاقة أكبر من المعتاد للقيام بمعظم الأعمال التي نقوم بها خلال اليوم.
فمن الممكن، خلال مواقف التوتر والخطر القصوى، أن تمكننا انطلاقة الأدرينالين من تحرير القدرات الحقيقية للعضلات والتي لا تتحقق من تلقاء نفسها (طوعًا). واستطرد في شرح كيفية قيام الأدرينالين بذلك عن طريق حث "الوحدات الحركية" والأعصاب والألياف العضلية التي تتحكم بها، أكثر من تلك المستخدمة عادةً في وقت واحد.
عند القيام بمعظم الأعمال العادية، فنحن نقوم باستخدام عدد قليل من الوحدات الحركية فقط أو عدد مقبول منها للقيام بالمهمة المطلوبة. وتتطلب الأنشطة الملحة والتي تحتاج قوة وحدات حركية أكثر من العادي. وفي كثير من الحالات، فلن نستخدم جميع الوحدات الحركية المتاحة إلا إذا كنا في موقف "حياة أو موت".
فإذا اختبرنا انطلاقة أدرينالين، تتأثر حواسنا بعدة طرق. فعلى سبيل المثال إذا تمت مهاجمتنا من قِبَل شخص ما فهذا الموقف يتطلب منا التحول إلى وضع الأدرينالين. وستلاحظ أن رؤيتك مشوشة بعض الشيء؛ وذلك لأنك تركز حينها على الخطر فقط، فتبدو الأشياء أكبر وأقرب مما هي عليه في الواقع.
وبجانب الرؤية المشوشة، تتدهور الرؤية المحيطية الخاصة بك وكل ما تراه هو الخطر فقط. كما يمكن أن تتأثر حاستك السمعية أيضًا؛ لأن كل خلية من خلايا المخ تركز على الخطر. وبالتالي، فحتى أعلى الأصوات التي تكون على مقربة منك فمن الممكن ألا تسمعها.
كما تزيد قدرتك على احتمال الألم أيضًا، فلا تشعر بالأشياء التي يمكن أن تؤلمك في الظروف العادية على الرغم من إصابتك بالأذى. فيمكن أن تشعر بألم بسيط أو لا تشعر بشيء على الإطلاق، ولكن من المؤكد أنك ستشعر به في اليوم التالي. على الرغم من أن إعجاب كثير من الناس بالفتيات اللائي يقمن برفع السيارات والقيام بأمور خارقة، فبعد انطلاقة الأدرينالين كل ما يتبقى لهن هو عضلات وأوتار ممزقة، وفي أغلب الأحيان إصابات شديدة.
بعد زوال الخطر، يبدأ جسمك في الهدوء والعودة إلى حالته الطبيعية. يمكن أن نعيش عمرنا بأكمله بدون اختبار انطلاقة الأدرينالين، ولكن بعض الناس يسعون لها من أجل المتعة فقط. فمدمنو الأدرينالين يمارسون الرياضات أو الأنشطة الخطرة من أجل الشعور بتلك الانطلاقة فقط. أما البقية الذين لا يسعون وراء الإثارة؛ تذكروا أننا على الرغم من عدم تحولنا للون الأخضر أو تضخم حجمنا إلى ثلاثة أضعاف الحجم الطبيعي، فبداخل كل منا وحش مدفون في انتظار اللحظة المناسبة للتحرر في الظروف الصعبة.
المصطلحات
- هيبوثالامس هو جزء من المخ يحتوي على عدد من النوى الصغير يقوم بالعديد من الوظائف.
- الأدونيز مونوسفات الدوري هو العامل الموجود داخل الخلايا يتوسط عمل العديد من الهرمونات على الخلية الهدف.
المراجع
www.labspaces.net
www.straightdope.com
edition.cnn.com
iceskatingresources.org
www.lifeslittlemysteries.com
news.sciencemag.org
www.psychologytoday.com
Cover image by Freepik