مراجعة فيلم: الحاسة التامة

شارك

"الحاسة التامة" فيلم درامي أخرجه دافيد ماكينزي في عام 2011، وقام ببطولته إيفا جرين وإيوان ماكروجر. تدور أحداث الفيلم حول مايكل؛ الطاهي الموهوب، وسوزان عالمة الأوبئة، اللذين يتعرفان على بعضهما ومن ثمَّ يقعان في الغرام، كما هو متوقع تمامًا في أي فيلم درامي رومانسي.

إلا أن الأحداث تأخذ بعد ذلك منعطفًا غير متوقع؛ حيث ينتشر في العالم وباء يسلب الإدراك الحسي من الناس. تلك الأحداث التي من شأنها أن تفسر ما يحدث في السلوك البشري من تغيُّر عندما يفقد الإنسان حاسة ما، كما يفسر كيفية اعتماد الإنسان على حاسة أخرى كي يعوض تلك التي فقدها.

لقد بدأ هذا الوباء أولاً بإدخال الناس في حالة من الحزن العميق، كذلك البكاء دون توقف، فلم يكن هناك أحد يقدر على السيطرة على دموعه. وعندما انقشعت تلك الحالة، اكتشفوا أن الجميع قد فقد حاسة الشم في أقل من خمس عشرة دقيقة حينها أخذ الناس في ارتداء الأقنعة الجرثومية، لكن ظلت تلك الأقنعة عديمة الفائدة. وفي نهاية المطاف أعلن الأطباء أنه لا يوجد ما هو قادر على ردع هذا المرض، كما أنه لا يوجد شخص بمنأى عن الإصابة به. حينها، أخذ الناس تدريجيًّا في تعلُّم كيفية الاعتماد بكثرة على حاسة التذوق من أجل تعويض حاسة الشم؛ فبدأوا في تناول كميات أكبر من مختلف أنواع المواد الغذائية في نفس الوجبة.

لم يمر وقت طويل حتى عاد المرض ليضرب من جديد؛ حيث انتاب الناس حالة من الجوع الشديد جعلتهم يتناولون أية مادة غذائية أمامهم بشراهة كبيرة. وعندما شُفِىَ الناس من أعراض هذيان الطعام، وجدوا أنهم فقدوا حاسة التذوق. وعلى الرغم من ذلك، فقد لاحظ أصحاب المطاعم أن الناس تصر على الذهاب إلى المطاعم وطلب الأطعمة الفاخرة والباهظة الثمن؛ رغبةً منهم في تجربة ملمس الأطعمة ودرجات حرارتها، طالما أنهم لا يستطيعون تذوقها.

وقبل أن يتأقلم الناس مع فقدان اثنين من حواسهم، قام المرض بضربة جديدة، تلك الضربة التي كانت مختلفة تمامًا هذه المرة. وهو الذي يظهره المخرج ببراعة من خلال المشهد الذي يجسد لحظات من التوتر العاطفي تنفصل فيها سوزان عن مايكل من جراء تلك الضربة الثالثة. وكان ذلك المرض تجربة لا يمكن السيطرة عليها، فلقد انتشرت بين الناس حالة من الغضب العارم، مما وضع العالم كله على حافة الفوضى. ولكن، سرعان ما هدأت الأمور ولكن بعد أن فقد الناس حاسة السمع.

لم يتبقَّ للناس سوى حاستي البصر واللمس. وقد أخذ الناس في التصرف وفقًا لثقافاتهم ومعتقداتهم الدينية؛ حيث اتجه المؤمنون إلى الله، اعتقادًا منهم بأن ذلك المرض إنما هو عقاب من عند الله نظير ما اقترفته البشرية من خطايا. في حين اكتفى غير المؤمنين بفقدان الأمل أو التماس المتعة في مجابهة ذلك المرض. أما أولئك الذين لم يكونوا واثقين في معتقداتهم من الأساس، فكانوا في انتظار ما هو قادم لا محالة.

وفي المشهد الأخير من الفيلم، يجسد المخرج الضربة الأخيرة للمرض، فالمشهد الأخير يكون مفعمًا بالأمل، والقناعة، والسعادة؛ حيث يظهر في هذا المشهد لحظة من الاندماج العاطفي غير المبرر والذي غمر مايكل وسوزان؛ حيث انطلقا في الشوارع يبحث كلٌّ منهما عن الآخر. وكان كلاهما يحمل للآخر تقديرًا عميقًا، وهو ما يعني أن حبهما ظل على قيد الحياة رغم ما مر بهما من أحداث. وكان ذلك كله حين فقد الناس حاسة البصر وأصبح العالم مظلمًا. حينها فقط توقف المرض عن توجيه ضرباته للبشرية، تاركاً للناس حاسة اللمس فقط، جنبًا إلى جنب مع المخاوف والشكوك التي لا نهاية لها حول وجود كيفية لاستمرار الحياة بهذه الطريقة.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية