يبقى اللون من السمات المميزة الرئيسية لأي شيء؛ حيث يساهم في تشكيل إدراكنا لكل ما نراه. وعلى الرغم من أن السماء الزرقاء هي الأفق الأبعد الذي تراه أعيننا، فإن الألوان تتعدى ذلك الأفق بكثير؛ فتُشكل كونًا بهيجًا مفعمًا بالألوان.
لاتيه كوني
السماء – زرقاء تتوجها شمسٌ برتقالية رائعة نهارًا، وسوداء ترصعها مجموعات من النجوم اللامعة ليلاً – هي كل ما نراه من الفضاء الخارجي. وقد نندهش عندما ندرك أنه منذ سنوات قليلة فقط أدرك العلماء أن اللون الفعلي للفضاء الخارجي هو لون غير مثير بالمرة؛ فهو في الواقع بيج.
فلقد أجرى فريق من علماء الفيزياء الفلكية من جامعة جون هوبكنز استبيانًا درسوا من خلاله أكثر من 200.000 مجرة، واكتشفوا أن الضوء المنبعث منها جميعًا - عندما يُدمج وفقًا لما يمكن أن تراه العين - يكوِّن لونًا أسموه "لاتيه كوني".
«يمكنك أن تفكر في الأمر على أنه ما تستطيع العين رؤيته عند تمرير كل أضواء الكون عبر موشور(1) لتحليله إلى قوس قزح؛ حيث تتناسب كثافة كل لون مع كثافته في الكون»، كما أوضح عالِما الفيزياء الفلكية كارل جلايزبروك وإيفان بالدري. ووفقًا لتكيف العين مع كميات الضوء المختلفة، فإن لون الكون سيتنوع ما بين الوردي الباهت، والفيروزي الفاتح، واللاتيه الكوني بشكلٍ خاص.
إلا أن الاستبيان الذي امتد عِدة مليارات من السنين الضوئية لم يكن هدفه حساب متوسط لون الكون فحسب؛ بل قد كشف الكثير عن تاريخ تكوين النجوم في الكون، والذي يُعد بدوره مسئولاً رئيسًا عن التغيرات التي تطرأ على الطيف الكوني.
فللنجم دورة حياة يتغير خلالها لونه مع تغير درجة حرارته وحجمه عبر مليارات السنين. فالنجم اليافع الساخن يكون لونه أزرق، ولكنه يأخذ في الاحمرار كلما زاد عمره وتمدد حجمه ليصبح عملاقًا أحمر؛ إلى أن ينتهي به المطاف إلى قزم أبيض أو أسود. وهكذا، فتمامًا مثلما يتغير لون السماء وقت الغروب، فإن الكون قد بدأ بنجومٍ زرقاء صغيرة، ثم أخذ في الاحمرار تدريجيًّا مع تطور جيل من النجوم الحمراء العملاقة.
أسود كوني
حتى عند موتها، تضفي النجوم لونًا إلى عالمنا. فعندما يموت نجم هائل الحجم تتوقف تفاعلات الاندماج النووي داخله، ويبدأ مجاله المغناطيسي في اجتذاب المواد إلى الداخل ضاغطًا لب النجم ومؤديًا إلى تسخينه. ونتيجة لشدة التسخين، يحدث انفجار مستعر أعظم(2) ضخم يتم خلاله قذف المواد والإشعاعات إلى الفضاء. ما يتبقى بعد هذا الانفجار رائع الألوان هو لب النجم المضغوط بشدة، والذي تصبح جاذبيته شديدة القوة؛ بحيث لا يستطيع حتى الضوء الهروب منها؛ وهذا ما يطلق عليه العلماء «ثقبًا أسود».
بمجرد أن يتكون ثقب أسود، يصبح أشد سوادًا من أن يظهر؛ حيث يجذب كل الضوء داخل فوهته. إلا أنه بمقدور العلماء تحديد أماكن الثقوب السوداء عن طريق ملاحظة سلوك النجوم في الفضاء. فالنجوم القريبة من الثقوب السوداء تطلق أضواءً ذات طاقة عالية يمكن تحديدها باستخدام أقمار اصطناعية وتلسكوبات خاصة.
ولحسن الحظ، فإن الثقوب السوداء لا تتحرك في الفضاء مبتلعة ما تصادفه من أجرامٍ سماوية؛ ونحن محظوظون لأن نظامنا الشمسي آمن بمنأى عن أية ثقوب سوداء. إلا أن العلماء قد صرَّحوا بوجود ثقب أسود هائل الحجم في مركز كل مجرة كبيرة، وفي قلب مجرة درب التبانة يكمن الثقب الأسود سيجيتاريوس أ أو الرامي أ، وهو ثقب أسود أكبر 4 مليارات مرة من الشمس.
المصطلحات
الموشور: في علم البصريات، الموشور وسط بصري شفاف ذو قاعدة مثلثة، وجوانب مستطيلة، وأسطح مسطحة ملساء، ومن شأنه تحليل الضوء إلى أطياف.
انفجار المستعر الأعظم: انفجار نجمي وضَّاء يقذف النجم خلاله معظم كتله في الفضاء.
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني 2012/2013.
المراجع
telegraph.co.uk
pha.jhu.edu
nasa.gov
science.howstuffworks.com
huffingtonpost.com
universetoday.com
news.bbc.co.uk
moonphases.info
aerospaceguide.net