يقول توني جولدبيرج، عالم الأوبئة بجامعة ويسكونسن–ماديسون: «إذا اختفت كل الفيروسات فجأة، سيصبح العالم مكانًا رائعًا لمدة يوم ونصف تقريبًا، ثم سنموت جميعًا؛ وذلك هو بيت القصيد. فكل الأشياء الأساسية التي تفعلها الفيروسات في العالم تفوق كثيرًا الأشياء السيئة».
قد يبدو هذا التصريح صادمًا في ظل تجربة كوفيد-19، لأنه يثير تساؤلًا: ما الفائدة التي يمكن أن تحدثها الفيروسات؟
أكسجين ننتنفسه
إن معظم الأكسجين الذي تتنفسه الآن يأتي من العوالق النباتية، لا الأشجار. والعوالق النباتية كائنات دقيقة تعيش في الماء، وهي مسئولة عن إنتاج 50–80٪ من الأكسجين الذي نتنفسه؛ ومن أمثلتها: البكتيريا الزرقاء والطحالب الخضراء. تساعد العاثيات البحرية هذه الكائنات الحية الثمينة في مواجهة المنافس الميكروبي. ومع إعدام العاثيات 20٪ من الميكروبات المحيطية يوميًّا، يمكن للعوالق النباتية الحصول على مغذياتها والقيام بعملية التمثيل الضوئي. ومن ثم لا نبالغ عندما نقول أننا نتنفس بحرية بفضل الفيروسات.
الغزاة الطبيعيون ينهون المنافسة
العاثيات تغزو البكتيريا طبيعيًّا، وتتكون من قفيصة تحتوي موادها الوراثية، وذيل. ويبدأ الغزو بالامتصاص؛ إذ تلتصق العاثية بمستقبِل على سطح خلية البكتيريا، ثم تحقن مادتها الوراثية في الخلية. من هنا، تصبح العاثية في الدورة الحالة أو الدورة المستذيبة. الدورة الحالة تجعل المضيف يصنع عاثيات جديدة مستخدمًا مادتها الجينية التي تجمع بعد ذلك وتحلل (تحطم) الخلية المضيفة. وفي الدورة المستذيبة، تدخل مادة العاثية الجينية جينوم المضيف وتنسخه.
Phage composition. Source: www.mdpi.com
تساعد تلك الكائنات الغازية الطبيعية البكتيريا على التنافس على الأراضي. فيمكن للبكتيريا المضيفة أن تكتسب ميزتين تنافسيتين لاستعمار مناطق جديدة، أو حتى تزدهر في أرضها. ولكي تستعمر، يتحول عدد قليل من بكتيريا الدورة المستذيبة إلى الدورة الحالة، وتضحي بنفسها من أجل البقية، وتطلق العاثيات في محيطٍ خارج خلوي؛ وتقضي على البكتيريا المنافسة خارج الدورة المستذيبة. هذا يتيح للبقية استعمار مناطق جديدة، إذ تنتج العاثيات سمًّا غير ضار بالمضيف، ولكنه يقتل البكتيريا الأخرى دون العاثيات.
Lytic vs lysogenic phage life cycles. Source: www.mdpi.com
بيض الدبور الطفيلي
تضع الدبابير الطفيلية بيضها في حشرات أخرى مضيفة. ويُعد قمع جهاز المضيف المناعي ضروري لتجنب الرفض المناعي الذي قد يغلف بيضها ويوقف نموها. يؤدي هذا الدور فيروس دي إن إيه المتعدد Polydnavirus (PDV)؛ ويشتبه أنه يغير سلوك العائل لحماية اليرقات الجديدة من الدبابير الأخرى.
Parasitoid wasps laying their eggs with PDV. Source: www.nature.com
النجاة من التربة الأرضية الحرارية
ينمو في منتزه يلوستون الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية نوع من العشب يعرف باسم «ديتشانثيليوم لانوجينوسوم Dichanthelium lanuginosum»، في تربة تزيد درجة حرارتها عن 50 درجة مئوية؛ وهي مهمة يصعب إنجازها بدون مساعدة فطر «كورفولاريا بروتوبيراتا Curvularia protuberata». ومع ذلك، لا تقوم الفطريات بهذا الدور بمفردها، ولكن بمساعدة فيروس التحمل الحراري كورفولاريا Curvularia Thermal-Tolerance Virus (CThTV). الفطريات المصابة بالفيروس تستطيع وحدها منح التحمل الحراري، وجعل الحياة ممكنة في مثل هذه الظروف القاسية.
Plant-fungus-virus, three-way mutualistic symbiosis. Source: www.nature.com
فيروسات تجميلية
الفيروسات لا تساعد على البقاء فقط، ولكنها تضفي جمالًا أيضًا؛ ففيروسات عديدة قد سُجلت دورها بإضفاء مظهر جمالي على نباتات الزينة. مثال على ذلك فيروس تكسير التوليب Tulip Breaking Virus (TBV) الذي يعطي زهرة التوليب أو الزنبق مظهرًا مخططًا، على عكس التداخل مع تركيب الصباغ في الأزهار الأخرى.
Striped TBV-infected tulips. Source: apsjournals.apsnet.org
الفيروسات العلاجية
نعم، يمكننا استخدام الفيروسات التي يُنظر إليها غالبًا على أنها من مسببات الأمراض، في العلاج.
- العلاج بالعاثيات
العاثيات بوصفها علاجات مضادة للميكروبات قد تحل مشكلة مقاومة المضادات الحيوية في البكتيريا، خاصة أن مقاومة العاثيات أبطأ عشر مرات من مقاومة المضادات الحيوية. وعلى الرغم من الحاجة إلى مزيد من العمل قبل أن يصبح العلاج بالعاثيات سائدًا، إلا أن له إمكانات واعدة.
- الفيروسات المحللة للورم
بعض الفيروسات المعروفة باسم الفيروسات المحللة للورم بإمكانها مقاومة السرطان؛ لأنها تصيب الخلايا السرطانية طبيعيًّا وتحللها، ولكنها لا تصيب الخلايا الطبيعية. ومع ذلك، معظم الفيروسات المحللة للورم مصممة لتجنب الخلايا السليمة وإصابة الخلايا السرطانية انتقائيًّا، وإنتاج جزيئات محفزة للمناعة. من الأمثلة على ذلك العلاج «تاليموجين لاهرباريبفك (ويُعرف اختصارًا تي–فك) Talimogene Laherparepvec (T-VEC)» لعلاج سرطان الجلد؛ وهو العلاج الوحيد الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في عام 2015، إذ كانت الهِرْبِس المهندسة تُستخدم.
Engineering oncolytic viruses. Source: www.cancerresearch.org
وتخضع الآن مجموعة كبيرة ومتنوعة من فيروسات الأورام –ومنها الفيروسات الغدانية، والمنقولة، وفيروسات الحصبة، وشلل الأطفال– للتطوير قبل السريري والسريري.
في النهاية، نأمل أن تساعدك هذه النظرة الشاملة على دور الفيروسات الحيوي في بيئات مختلفة على تقدير ما تحققه لنا من خير أيضًا.
المراجع
apsjournals.apsnet.org
bbc.com
cancer.gov
cancerresearch.org
jhoonline.biomedcentral.com
mdpi.com
nature.com
ncbi.nlm.nih.gov
washingtonpost.com
Cover Image by pch.vector on Freepik