مشروعات إحياء التراث الإسلامي
حركة الاستشراق وإحياء التراث الإسلامي وإصداره في أوروبا.
دائرة المعارف الإسلامية Encyclopedia Of Islam.
تحقيق وإعادة إصدار التراث في مصر.
أعلام تحقيق التراث الإسلامي المحدثون.
مشروع الدكتور محمد عمارة لتحقيق أعمال آباء النهضة المحدثين.
دار الأمير اللبنانية وإصدار الآثار الكاملة للدكتور علي شريعتي.
حركة الاستشراق وإحياء التراث الإسلامي وإصداره في أوروبا
يُعرف الاستشراق Oreintalism باعتباره علمًا غربيًّا يقوم على دراسة الشرق وثقافته من خلال عدة مداخل منهجية متنوعة ومتغيرة في مراحل تاريخية متعاقبة، وبدأ الاستشراق بهذا المفهوم في العصور الوسطى المتأخرة في الغرب؛ حيث قامت العديد من جامعات أوروبا بدراسة الإسلام دينًا وثقافة من مداخل دينية لاهوتية تضع الثقافة الإسلامية في مواجهة الكاثوليكية. وبدأ الأوروبيون في جامعات فيينا وباريس بترجمة أعمال المسلمين إلى اللاتينية وخاصة ترجمتهم وشروحهم للفكر اليوناني الأرسطي الذي مثل إحياؤه جوهر النهضة الأوروبية Renaissance. وفي عصور التنوير Enlightenment في الفترة ما بين القرنين (السابع عشر والتاسع عشر)، وفي ظل صعود النزعة الكولونيالية الغربية (الاستعمارية)، وسيادة نزعة الحداثة العقلانية، والمركزية الأوروبية، أخذ المستشرقون في تحقيق التراث الإسلامي بغرض التعرف العلمي على العالم المتنازع عليه بين القوى الاستعمارية، وبدأ تحقيق التراث من مداخل إثنوغرافية (عرقية)، وفيلولوجية (لغوية)، وبمنهج يتشابه مع مناهج تحقيق التراث اليوناني.
في سبعينيات القرن التاسع عشر، بدأت المطابع الأوروبية في إعادة طباعة وإنتاج النصوص الفقهية والدينية الإسلامية تحت إشراف أعلام المستشرقين، وقد أرسى هذا المجهود العلمي قواعد تحقيق التراث الإسلامي، حيث الاعتماد على أكثر من مخطوط للنص الواحد، والتدقيق والمقارنة والفهرسة. ونذكر من هذه الجهود، قيام أنطوان جالان بترجمة (ألف ليلة وليلة) عام 1711م، وأعمال سلفستر دي ساسي (1758-1838م)-واضع مفهوم الاستشراق- بنشر أعمال "كليلة ودمنة لابن المقفع وألفية ابن مالك"، وقام الفرنسي ليفي بروفنسال (1894-1956م) بتحقيق الروض المعطار للحميري، و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم الأندلسي، وتاريخ قضاة الأندلس للنبهاني، وتركز اهتمام فرانز روزنتال (1914-2003م) على تحقيق أعمال المؤرخين المسلمين، فحقق وترجم إلى الإنجليزية مقدمة ابن خلدون، وتاريح الطبري، وكتاب "المختصر في علم التاريخ" لمحيي الدين الكافيجي، و"الإعلان بالتوبيخ على من ذم أهل التاريخ" للسخاوي، ودرس هذه الأعمال في جامعة يال الأمريكية وأصدر دراسة معمقة عن "علم التاريخ عند المسلمين". وانصب عمل المستشرق الروسي أغوسطين كراتشكوفسكي على تحقيق وترجمة الأعمال الجغرافية للمسلمين، وترجم فرديناند فستنفيلد "معجم البلدان" لياقوت الحموي، و"وصف العالم" للقزويني. وعمل الهولندي رينهارت دوزي (1820-1885م) على تحقيق وترجمة أعمال العلماء المسلمين في المغرب والأندلس، فوضع معجمًا لألفاظ العربية، وحقق وترجم كتاب "المعجب" لعبد الواحد المراكشي.
وفي الأدب، قام كارل بروكلمان بترجمة وتحقيق العديد من أعمال الأدباء العرب، وألف "تاريخ الأدب العربي"، وقام إيفالد فاجنر بنشر ديوان أبي نواس، ونشر فريتز كرانكوف أعمال الأصمعي وأعمال شعراء الجاهلية وحقق "الدرر الكامنة" لابن حجر العسقلاني، ونشر فراتنباج أشعار أبي تمام، ونشر نولدكة ديوان عروة بن الورد، وحقق صمويل مارغوليث ترجمة يونس بن متى كتاب "فن الشعر" لأرسطو، و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي. وقام "فلهلم" بتحقيق ونشر ديوان أبي نواس ودواوين شعراء الجاهلية الستة، و"مجموع أشعار العرب"، و"فتوح البلدان" و"أنساب الأشراف" للبلاذري، وكتاب "الفخري" لابن الطقطقي. وحقق جولدتسيهر ونشر ديوان الحطيئة. وحقق بلاشير "طبقات الأمم" لابن صاعد. وقام جان جاك بيرك وبلاشير بوضع ترجمة للقرآن الكريم، وحقق بلاجستراتشر "الإيضاح في الوقف والابتداء" للأبياري، و"معاني القرآن" للفرَّاء، و"طبقات القراء" لابن الجزري.
رغم أن كثيرًا من السجالات والانتقادات دارت حول الاستشراق ودوره، وطالت أعمال كثير من المستشرقين الذين ارتبطوا بصورة أو بأخرى بمؤسسات الاستعمار، وبرزت تحيزاتهم الدينية والعنصرية في أعمالهم خاصة تلك التي ترسخ من نظرة الاختلاف الجوهري بين الشرق الإسلامي والغرب... فإنه يبقى أن أعمال المستشرقين قد ساهمت إلى حد بعيد في بعث التراث الإسلامي وإحيائه وتعرف العرب والمسلمين عليه من منظورات غير تقليدية، بالإضافة إلى ترجمته إلى لغات أخرى ونشره في ربوع العالم الغربي خاصة في الجامعات التي افتتحت لديها العديد من مراكز الدراسات العربية والإسلامية، وبهذا كان الاستشراق النواة الأولى التي بنيت عليها دراسات الشرق الأوسط الحديثة.
دائرة المعارف الإسلامية Encyclopedia Of Islam
من أبرز جهود الاستشراق الجماعية. وهي موسوعة أكاديمية تعنى بكل ما يتصل بالحضارة الإسلامية، دينيًّا، وسياسيًّا، وجغرافيًّا، وعلميًّا، وأدبيًّا، منذ عصر الجاهلية إلى العصور الحديثة، فقد قام المستشرقون بفهرسة جوانب الحضارة الإسلامية وتصنيفها حرفيًّا، فكانت بمثابة جامع لجهود الاستشراق على امتداده. وقد بدأ العمل في الموسوعة في أواخر القرن التاسع عشر وشارك فيها أكثر من 500 مستشرق متخصص وقد صدر الإصدار الأول من الموسوعة (EI 1) تباعًا في الفترة من 1913 إلى 1938 م بالإنجليزية والفرنسية والألمانية. ومن أبرز من شارك في كتابة هذا الإصدار من الدائرة المستشرق الفرنسي لويس ماسينون (1883-1962م)، والألماني جوزيف شاخت (1902-1969م)، والبريطانيان صمويل ماريجليوث (1858-1940م)، وتوماس أرنولد (1864-1930م)، والمجري أجناس جولدتسيهر (1850-1921م)، والألماني كارل بروكمان، والإيطالي جيورجيو ليفي ديلافيدا (1886-1967م). وغيرهم. وقبل الانتهاء منها ظهرت فكرة ترجمتها إلى العربية في القاهرة عام 1936م بإشراف إبراهيم زكي خورشيد، ولفردية الجهود وعدم تفرغ القائمين عليها توقف إصدار النسخة العربية من الدائرة عند حرف (ط) عام 1965.
وفي عام 1954م، اضطلع المستشرقان برنارد لويس وإدوارد جيب بالعمل على إصدار جديد من الدائرة (EI 2) يضم مواد جديدة، ومواد محدثة، واستمر إصدار هذه الطبعة حتى عام 2005م، وصدرت عن دار بريل الهولندية. واستأنف الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد عمله في ترجمة الموسوعة عام 1969م، لتستمر المحاولة حتى وفاته في 1987م. وتتوقف عند مادة (الخزف) ص317 في المجلد السابع عشر وهو آخر الأجزاء المترجمة. وقد ترجمت بعض أجزاء هذا الإصدار إلى التركية والأردية. بدأ العمل على الإصدار الثالث عام 2007، وتظهر المقالات والمواد الجديدة على شكل ربع-سنوي ضمن صحيفة EI3 الربع-سنوية (EI3 Quarterly) بالإضافة إلى النسخة الإلكترونية.
وقد برزت في التسعينيات محاولات عربية لاستكمال ترجمة دائرة المعارف الإسلامية، ونجحت إحدى المحاولات والتي كانت نتاج تعاون بين الهيئة العامة للكتاب بمصر وإمارة الشارقة تحت رعاية الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وصدرت الطبعة المترجمة المختصرة للدائرة في 33 مجلدًا، ولم تسلم هذه الطبعة من انتقادات حول مستواها مقارنة بالجهود التي أشرف عليها إبراهيم زكي خورشيد منذ عقود.
ولا تسلم دائرة المعارف الإسلامية من انتقادات المسلمين، فهي نتاج عمل المستشرقين، ولا تتبنى وجهة النظر الإسلامية حول الإسلام حضارةً وعقيدةً، وكثيرًا ما تتهم بالإغراض والتضليل. ولمعالجة هذا القصور، هناك عدة محاولات لكتابة أكبر موسوعة عن الإسلام بيد المسلمين أنفسهم. ومن بين هذه المحاولات، دائرة المعارف الإسلامية الكبرى التي تصدر في إيران بالعربية والفارسية، وموسوعة أخرى يعمل على إصدارها وقف الديانة بتركيا. كما حاولت دار الشروق إصدار دائرة معارف إسلامية، تحمس لها الراحل الكريم محمد المعلم وصدر منها المجلد الأول، إلا أن المشروع توقف بعد رحيله.
ومن الأعمال التي تستحق التنويه، "دائرة سفير للمعارف الإسلامية" التي تنتجها شركة سفير، وبدأ العمل فيها بداية من تسعينيات القرن الماضي، وقد تميزت هذه الموسوعة بأنها خلاصة جهد جماعي في التحرير والتأليف والإخراج الفني؛ حيث شارك في التأليف عدد من كبار المتخصصين والأكاديميين في العلوم المختلفة، بالإضافة إلى عشرات من الباحثين. وقد واجهت "دائرة سفير للمعارف الإسلامية" عدة عقبات في عملها، منها عقبة التمويل؛ وهو ما أدى إلى توقفها أكثر من مرة، وما زال العمل فيها مستمرًّا.
تحقيق وإعادة إصدار التراث في مصر
ارتبطت إعادة إصدار التراث الإسلامي في مصر بالمشروع النهضوي الذي أطلقه محمد علي باشا؛ باني الدولة الحديثة، وفي إطار النهوض بالتعليم تم إدخال المطابع الحديثة إلى مصر، وأنشئت المطبعة الأميرية ببولاق عام 1820م، واتجه رفاعة الطهطاوي مهندس المشروع التعليمي في عهد محمد علي وخلفائه إلى استخدام أدوات الطباعة الحديثة لإعادة إصدار التراث الإسلامي حبيس المخطوطات والخزائن، فنجح في استصدار أمر من محمد سعيد باشا لطباعة عدد كبير من كتب التراث في مختلف المجالات. ومن بين هذه الأعمال التي طبعت تحت إشراف الطهطاوي "تفسير القرآن" للفخر الرازي، و"معاهد التنصيص على شواهد التلخيص" لعبد الرحيم العباسي، ومقامات الحريري، و"خزانة الأدب". وقد تم التوسع في إصدار الأعمال التراثية في عهد الخديو إسماعيل، خاصة مع إنشاء دار الكتب "الكتب خانة" على يد علي مبارك عام 1870م، والتي قامت بحصر المخطوطات التراثية وجمعها من المنازل والجوامع والزوايا. وقد تم إعادة إصدار الكثير من هذه المخطوطات بعد مراجعتها، ولكن دون تحقيق أو فهرسة.
وبعد الاتصال بالحضارة الغربية والاتصال بالمستشرقين بدأ الاتصال بمناهج التحقيق الغربية، وتأثر المحققون المصريون بهذه المناهج في إطارين فكريين هما: بداية الانقسام الفكري حول الدين والتراث ودورهما في الحياة المعاصرة، وهو ما خلق سجالاً بين التراثيين السلفيين والعلمانيين الليبراليين والتيار الوسطي الإصلاحي، ومن ذلك المعارك الفكرية التي شهدتها مصر في بداية القرن العشرين وأشهرها معركة كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين التي كانت ظلال الاستشراق والتنوير بادية فيها. وكذلك الاتجاه نحو النهوض والإصلاح وهو ما استدعى الاهتمام بالتراث وإعادة قراءته. وفي ثلاثينيات القرن العشرين أخذت النخب الجامعية في القاهرة ودمشق ببحث وتدريس النصوص التراثية. وقامت دار الكتب المصرية بإصدار العديد من عيون التراث الإسلامي المحققة مثل الأغاني للأصفهاني، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي، وصبح الأعشى للقلقشندي، ودواوين الشعر العربي، وقامت لجنة التأليف والترجمة والنشر بتحقيق ونشر العديد من الكتب التراثية.
وبالتدريج، أخذت مناهج التحقيق تستقل عن المنهج الاستشراقي. ففي كتاب "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية" الصادر عام 1944م أخذ الشيخ مصطفى عبد الرازق في إيضاح جوانب الأصالة في التراث الفلسفي الإسلامي، بعد سيادة الفكرة القائلة بأصوله اليونانية الأرسطية، فقسم التراث من حيث أصالته إلى درجات على النحو التالي: علم أصول الفقه، ثم علم الكلام، ثم التصوف، ثم الفلسفة الإسلامية. وبهذا التجديد بدت ملامح استقلال المحققين العرب في الاتضاح، ليصبح هذا الاستقلال بمثابة قطيعة معرفية في الستينيات والسبعينيات مع سيادة التيارات اليسارية النقدية والإسلامية السياسية، التي أخذت تنظر إلى تحقيق التراث بمنهج غربي بعين الريبة، واتهمته إما بالتبعية الإمبريالية للغرب أو التبشير والاستعمار الثقافي.
أعلام تحقيق التراث الإسلامي المحدثون
برزت في مجال تحقيق التراث الإسلامي العديد من الأسماء البارزة التي أَثْرت هذا المجال على امتداد القرن العشرين، مثل:
الأستاذ عبد السلام هارون (1909-1980م)
هو شيخ محققي التراث العربي الإسلامي في مصر والعالم العربي، قام بتحقيق أول أعماله -كتاب"متن الغاية والتقريب" لأبي شجاع- وهو ما زال في المرحلة الابتدائية الأزهرية، وبعد تخرجه الجامعي، اشترك مع العلامة محب الدين الخطيب في تحقيق كتاب "أدب الكاتب" لابن قتيبة، وعين مدرسًا بمدرسة دار العلوم. واختاره طه حسين لعضوية لجنة قامت على تحقيق تراث أبي العلاء المعري، وأصدرت اللجنة أعمالها في 5 مجلدات تحت عنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء". وقد حصل على الجائزة الأولى لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في التحقيق والنشر عام 1950، كما ظفر بجائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عام 1981م. وقد عُرف هارون بغزارة إنتاجه وتحقيقاته، فكتب 12 كتابًا عن تحقيق التراث وفي الأدب العربي، وزادت تحقيقاته عن 112 كتابًا من أهم الأعمال التراثية، بالإضافة إلى عدد كبير من المقالات. ومن أشهر ما حققه: "الكتاب" لسيبويه، و"الحيوان" و"البيان والتبيين" و"الرسائل" للجاحظ، و"مجالس ثعلب"، و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم، و"شرح القصائد السبع الطوال" لابن الأنباري.
الدكتور محمود الطناحي (1935-1999م)
هو الأستاذ بكلية الآداب بجامعة حلوان، وقد تتلمذ على يد آباء تحقيق التراث؛ مثل الأستاذ عبد السلام هارون والأستاذ محمود شاكر، ومن خلال دراسته بمدرسة دار العلوم، وعمله بمعهد الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية، ومركز تحقيق التراث بالهيئة العامة للكتاب، والعديد من الجامعات العربية والمصرية، قام بتحقيق العديد من كتب التراث الفقهي والأدبي، مثل"طبقات الشافعية" للسبكي، و"أمالي ابن الشجري"، و"الفصول الخمسون" لابن معطي، وبعض أجزاء من "تاج العروس" للمرتضى الزبيدي، و"أعمال الأعيان" لابن الجوزي وغيرها من عيون التراث.
الشيخ محمود شاكر "أبو فهر" (1909-1997م)
عُرف بدفاعه المستميت عن أصالة الأدب العربي، ودخل في معارك فكرية عديدة مع طه حسين ولويس عوض. التحق بكلية الآداب بالجامعة المصرية عام 1926م، لكنه سرعان ما تركها وغادر إلى الحجاز حيث قام بإنشاء مدرسة جدة الابتدائية، ثم عام إلى القاهرة عام 1929م، ليقيم اتصالات بأعلام الأدب من معاصريه، واشتهر في هذه الأوساط بدراسة أصيلة عن شعر المتنبي وشخصيته عام 1936م. وفي مجال تحقيق التراث، ابتدع شاكر منهجًا خاصًّا في التحقيق والدراسة عرفه بأنه "منهج التذوق"، وقد أطلق عليه عباس العقاد "المحقق الفنان"، ومن أشهر ما حققه أبو فهر: تفسير القرآن للطبري في 16 جزءًا، وطبقات فحول الشعراء في مجلدين، وتهذيب الآثار في 6 مجلدات، وقد آثار أن يكون تحقيقه للنص قراءة مبينة له وشارحة لشخص كاتبه، وهو ما منحه التميز بين المحققين.
الدكتور إحسان عباس (1920- 2003م)
من أشهر أدباء العرب وأغزرهم ترجمة وتأليفًا وتحقيقًا، ولد في حيفا بفلسطين، والتحق بالكلية العربية بالقدس ثم بجامعة القاهرة عام 1948م، وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب، أرسى إحسان عباس الكثير من التقاليد في حقول البحث والمعرفة؛ إذ كان عقلاً منفتحًا مستقلاً، ولم يركن إلى منهج من المناهج التقليدية، وإنما كان موسوعيًّا في معرفته للمناهج النقدية؛ يستفيد منها في سبك منهجه الخاص المميز. وقام بتحقيق حوالي 52 عملاً من أعمال التراث؛ من بينها،" أمثال العرب" للمفضل الضبي، و"الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" لابن بسام الشنتريني، و"التذكرة الحمدونية" لابن حمدون، و"الروض المعطار في خبر الأقطار" لابن عبد المنعم الحميري، و"أنساب الأشراف" للبلاذري، و"سرور النفس بمدارك الحواس الخمس" للتيفاشي، و"مرآة الزمان" لسبط بن الجوزي، و"طوق الحمامة" لابن حزم.
الدكتور عبد الهادي التازي (1921-...)
من أبرز المفكرين المغاربة، ولد بفاس، ونال شهادة العالمية من جامعة القرويين عام 1947م، وعين أستاذًا بها، وحصل على دكتوراة الدولة من جامعة الإسكندرية، ثم عمل سفيرًا للملكة المغربية في عدة دول مثل ليبيا والعراق وإيران، كما اشتغل مديرًا للمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط، كما كان عضوًا في العديد من الهيئات الثقافية كمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العراقي. ومن أبرز تحقيقاته "تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين" لابن صاحب الصلاة، و"الفريد في تقييد الشريد" لأبي القاسم الفجيجي، و"رحلة ابن بطوطة".
الدكتور محمد الهادي أبو الأجفان (1936-2006م)
من أبرز العلماء والمحققين التونسيين، ولد في القيروان، وانخرط في سلك التعليم الشرعي، وتتلمذ لكبار المشايخ كالعلامة محمد الطاهر بن عاشور، حصل على الإجازة في الشريعة من الكلية الزيتونية بتونس عام 1965م، وعلى شهادة الدكتوراة في الفقه المقارن عام 1987م. كما عمل في سلك التدريس في الكلية الزيتونية التي أصبحت فيما بعد جامعة الزيتونة. اشتهر باستخراجه وتحقيقه كنوز الكتب المالكية. ومن أبرز تحقيقاته "انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك" للشمس الراعي الأندلسي، و"برنامج المجاري" لأبي عبد الله محمد المجاري الأندلسي، و"الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب" لعبد الصمد كنون المغربي، و"المذهب في ضبط مسائل المذهب" لابن راشد القفصي.
وهناك العديد من المشاريع الحالية التي تقوم على إصدار أعمال هؤلاء المحققين الأعلام وغيرهم، ومن هذه المشروعات مشروع "الذخائر" للمجلس الأعلى لقصور الثقافة في مصر، وهو عبارة عن سلسلة نصف شهرية تقوم بإعادة إصدار أعمال التراث المحققة، وذلك لنفاد طبعات بعضها في الأسواق، أو ارتفاع أثمانها. ويقوم كذلك مشروع مكتبة الأسرة التابع للهيئة العامة للكتاب بإصدار سلسلة تراثية ضمن إصدارته السنوية، بصورة غير دورية.
مشروع الدكتور محمد عمارة لتحقيق أعمال آباء النهضة المحدثين
يعتبر الدكتور محمد عمارة من أهم المفكرين الإسلاميين المعاصرين وممثلي مدرسة الوسطية الجامعة المعاصرة، وقد قام منذ الستينيات ومع تحوله من اليسارية إلى الفكر الإسلامي، بتحقيق أعمال المفكرين المسلمين الإصلاحيين، والذين مثلت جهودهم الفكرية والسياسية والتربوية أركان الفكر النهضوي الحديث، وأراد من خلال هذا التحقيق بعث هذا الفكر الوسطي بعد احتدام المعارك الفكرية في العقود الأخيرة بين دعاة الانغلاق على الذات ودعاة الانفتاح المنفلت على الغرب، وقد أصدر هذه الأعمال تحت عنوان "الأعمال الكاملة" وبمقدمات معاصرة تقدم للمفكر وعصره وتطوره الفكري، وأثره في النهضة العربية المعاصرة. وقد أصدر من هذه السلسلة:
أ- الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي، وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت عام 1973م.
ب- الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، وصدرت عن المؤسسة العربية للنشر ببيروت عام 1979م.
ت- الأعمال الكاملة لقاسم أمين، وصدرت عن دار الشروق بالقاهرة عام 2006م.
ث- الأعمال الكاملة للأستاذ الإمام محمد عبده، وصدرت عن دار الشروق بالقاهرة عام 2006م.
ج- الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي، وصدرت عن دار الشروق بالقاهرة عام 2007م.
وقد اهتمت مكتبة الإسكندرية بأعمال المفكر الكبير الدكتور عمارة، وأعادت في عام 2005م إصدار الأعمال الكاملة لمحمد عبده بعد تنقيح الطبعة السابقة بالتعاون مع دار الشروق في إطار الاحتفالية بمئوية ميلاد الإمام، وكتب عمارة بمناسبة هذه الاحتفالية دارسة موجزة عن الإمام وفكره بعنوان "الإمام محمد عبده: مشروع حضاري للإصلاح بالإسلام" صدرت عن المكتبة في العام نفسه. وقد قام أيضًا بتحقيق العديد من الكتب التراثية الهامة والتي تصب في المعين التنويري ذاته، مثل "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" للفيلسوف الأندلسي الشهير أبي الوليد ابن رشد، وصدرت عن دار المعارف بالقاهرة عام 1999م، وحقق أيضًا جزءًا من أعمال شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمد الخضر حسين؛ مثل "الشريعة الإسلامية صالحة في كل زمان ومكان"، و"السنة والبدعة"، وصدرا عن دار نهضة مصر بالقاهرة عام 1999. وكذلك أعاد إصدار كتاب "روح الحضارة الإسلامية" للقاضي الفاضل بن عاشور عام 2003، و"صلة الإسلام بإصلاح المسيحية" للشيخ أمين الخولي عام 2006م، والأعمال الإسلامية لعبد الرزاق السنهوري باشا عام 2006م.
دار الأمير اللبنانية وإصدار الآثار الكاملة للدكتور علي شريعتي
ربما لا تبرز على السطح مشاريع منظمة لإصدار تراث آباء النهضة، فهذا التراث تم اعتباره جزءًا من الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر الذي يصدر بصورة غير منظمة، وبطبعات متواترة لا يحكمها منهج تحقيقي. ومع ذلك نجد اهتمامًا بإصدار أعمال هؤلاء المفكرين والاعتناء بترجمتها، والقيام بدراسات حولها أو شرحها. ومن ذلك قيام دار الأمير اللبنانية للثقافة والعلوم بترجمة أعمال المفكر الإيراني علي شريعتي (1933-1977م) وإصدارها تباعًا بصورة كاملة وفي عدة طبعات. وقد تولى ترجمة هذه الأعمال من الفارسية إلى العربية، وتحقيقها، وتدقيقها والتقديم لها والتعليق عليها، عدد من المترجمين العرب (أكثر من 15 مترجمًا) مثل: الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا، وعباس أمير زادة، وعادل كاظم، والسيد محمد حسين بزي، وغيرهم. وقد أشرف حسين علي شعيب على مراجعة أغلب أعمال شريعتي والتي تبلغ أكثر من 30 مجلدًا. وقد اكتسب فكر شريعتي الكثير من الزخم في المنطقة العربية بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وساهمت كثير من أعماله الفكرية الجامعة بين الفكر الإسلامي واليساري في دفع فكر النهضة الإسلامية، ومعالجة الكثير من قضاياها المستحدثة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أو تلك التي تتماس فيها إيران مع العالمين العربي والغربي، كقضية التشيع والتسنن، وموقف الدين من الأيديولوجيات المعاصرة، والاستبداد الداخلي، والاستعمار الخارجي، وغيرها.