الطاهر الحداد (تونس 1899م - تونس 1935م)
كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"
يُعتبر الطاهر بن علي بن بلقاسم الحداد من أبرز الوجوه الإصلاحية في تونس في النصف الأول من القرن العشرين. وقد ولد لأسرة متواضعة نازحة من جنوب تونس، والتحق بالكُتّاب حيث حفظ القرآن الكريم، ثم دخل جامع الزيتونة؛ قلعة التعليم التقليدي في المغرب العربي عام 1911م، وحاول استكمال تعليمه الديني في ظل ظروف اجتماعية قاسية. وفي سنوات دراسته الأخيرة التحق بالجمعية الخلدونية التي تأسست لتعليم خريجي التعليم الديني مبادئ العلوم الحديثة، ونشر الوعي الوطني. وفي عام 1920م، تخرج الحداد في جامعة الزيتونة بعد أن حاز شهادة التطويع.
اضطُر الحداد –تحت وطأة شظف العيش- إلى البحث عن عمل دون أن يستكمل دراسته المؤهلة للتدريس في الزيتونة، فعمل ماسكًا للدفاتر في إحدى الجمعيات الخيرية. ولكنه بدأ أيضًا في النضال من أجل الإصلاح الاجتماعي، فأخذ في الكتابة الصحفية، وكتب لجرائد "الأمة"، "أفريقيا"، "مرشد الأمة"، وقد جذبت هذه الكتابات الأنظار إليه، وفتحت إليه أبواب العمل السياسي، فتعاون مع عبد العزيز الثعالبي زعيم حزب الدستور الحر الجديد الذي انضم إليه الحداد عام 1923م، وسخَّر كتاباته في خدمة أهداف الحزب. غير أن علاقة الحداد بالحزب تعرضت للانتكاس بمغادرة الثعالبي تونس.
ثم تعرف الحداد على السيد محمد علي الحامي رائد العمل النقابي وصاحب النظرة الاجتماعية الثورية، وتأثر بوجهة نظره النضالية،وساهم في تأسيس جامعة عموم العَمَلة التونسية عام 1924م، غير أن سلطات الاحتلال الفرنسي قامت بحلها عام 1925م. وكتب الحداد عن هذه التجربة كتاب "العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية" (1927م) والذي صادرته السلطات المحتلة. بعد هذا اتجه الحداد إلى وجهة نضالية اجتماعية أخرى وهي قضية المرأة في المجتمع المسلم والتي تفجرت بإصداره كتاب "امرأتنا في المجتمع والشريعة" عام 1930م.
يجسَّد هذا الكتاب جوهر المشروع الفكري للحداد والمرتكز حول النضال الاجتماعي وإصلاح حال المجتمع بطوائفه المختلفة في سبيل التحرر السياسي، وهو يتشابه بهذا مع الإطار الفكري للنخب الوطنية في العالم العربي الرازح تحت الاستعمار الأوروبي. ومن ثم كان حديثه عن المرأة وتحريرها يأتي متسقًا مع نضاله النقابي والعمالي وكذلك محاولته الإسهام في تطوير التعليم الديني والذي وضع رؤية له في كتاب "التعليم الإسلامي وإصلاح التعليم في جامعة الزيتونة والذي نشر بعد وفاته.
وينقسم كتاب "امرأتنا في المجتمع والشريعة" إلى قسميْن عني الأول بتحليل الوضع الاجتماعي للمرأة وموقف المجتمع من تعليمها وعملها، وارتكز الثاني حول مناقشة هذه القضية من خلال التشريع الإسلامي، وتفنيد آراء علماء الدين ومناقشتها. والفكرة الجوهرية في الكتاب هو دعوته إلى تحرير المرأة وإشراكها في النضال الاجتماعي من أجل التحرير، وذلك باعتبارها "أم الإنسان" كما استهل كتابه.
وقد أثار هذا الكتاب عاصفة انتقادات ضد الحداد، حيث رفض علماء الدين التقليديون ما جاء فيه، ووصلت الأمور إلى اتهام الحداد بالزندقة والإلحاد، كما طُرد من قاعة امتحانات الحقوق بأمر ملكي، وقد عزلت أزمة هذا الكتاب الحداد عن محيطه ولم يقف معه إلا القليل ومن بينهم الشاعر أبو القاسم الشابي الذي نال نصيبًا من الاضطهاد والقمع. وآثر بعدها الحداد اعتزال المجتمع حتى وفاته عام 1935م. وقد أعيد الاعتبار إليه ولأفكاره بعد الاستقلال (1956م)، ضمن خطة التحديث التي قادها الرئيس الحبيب بورقيبة.
وتصدر مكتبة الإسكندرية كتاب "امرأتنا في المجتمع والشريعة" ضمن سلسلة "في التراث النهضوي الإسلامي" بمقدمة من الأستاذ محمد الحداد.