محمد إقبال (سيالكوت 1877م - لاهور 1938م)
تجديد الفكر الديني في الإسلام
هو شاعر الإسلام، ومفكر المشرق؛ العلاّمة إقبال اللاهوري كما يعرف في بعض بلدان المشرق، ولد في بسيالكوت بإقليم البُنجاب في الهند البريطانية لأسرة مسلمة عريقة منحدرة من طبقة البراهمة الهندوسية. وقد عرفت أسرته بالورع وارتباطها العميق بالإسلام، وهو ما كان له بالغ الأثر على رؤية إقبال وشعره. وبعد حفظه القرآن، أقنع مربيه السيد مير حسن أباه أن يرسله إلى كلية الإرسالية الاسكتلندية بسيالكوت. وفي عام 1895م، حصل الفتى إقبال على دبلومة الآداب من الكلية نفسها. وقد تعلم العربية والفارسية إلى جانب لغته الأم الأوردية، ثم التحق بالكلية الحكومية بلاهور حيث درس الفلسفة والأدب العربي والإنجليزي.
وأثناء دراسته تعرف على المستشرق الشهير السير توماس أرنولد الذي كان له بالغ الأثر على حياته ورؤيته للإسلام والغرب. وقد شجعه على السفر إلى أوروبا حيث حصل إقبال على ليسانس الآداب من جامعة كامبرديج عام 1907م، في الوقت الذي كان يدرس فيه القانون في "لينكولنز إن". وقد بدأ في هذه الفترة في كتابة الشعر بالفارسية. وفي عام 1907م، سافر إقبال إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراه من جامعة لودفيج- ماكسيمليان بميونيخ، وكانت أطروحته بعنوان "تطور الميتافيزيقا في فارس".
وقد أثرت رحلات إقبال الدراسية الكثيرة في الغرب في شخصه وفكره، فساعدته على التعرف على الحضارة الغربية ومنجزاتها ونقاط ضعفها. وقد تأثر بالشاعر الألماني جوته والفيلسوف فريدريك نيتشة وكذلك بهنري برجسون، غير أن الأثر الأكبر والأعمق على عقل وشعر إقبال كان مصدره الشاعر الفارسي الكبير مولانا جلال الدين الرومي مؤلف ديوان "المثنوي" الصوفي الشهير.
من أهم العوامل التي ساهمت في تشكيل فكر إقبال وقوع الهند ومعها سائر بلدان الشرق تحت الاستعمار الغربي، وفقدان الأقلية المسلمة الحاكمة من قبل لمكانتها بالهند. ولهذا، اتجه إلى العمل السياسي ، وأخذ ينخرط في العمل السياسي؛ فشارك في تأسيس رابطة مسلمي الهند عام 1906م، وشارك مع السيد أمير علي والسيد حسين بالجرامي في كتابة دستور الرابطة.
ومن ناحية أخرى، آمن إيمانًا عميقًا بالوحدة الإسلامية وانتقد النزعات القومية والعرقية الضيقة التي فتَّتت الأمة إلى كيانات منفصلة ومتنافسة، فدعا إلى الوحدة في أعماله الشعرية والنثرية حتى يحي مجد الحضارة الإسلامية. بيد أن إقبال رأى أن المواجهة مع الاستعمار ليست سياسية فقط، بل إن لها جوهرها حضاري وروحي، فقد حمل على مادية الغرب ولا أخلاقيته، وأخذ في بلورة الفلسفة الذاتية القائمة على معرفة النفس الإنسانية واتصالها بخالقها وهدف منها إلى مغالبة الشعور بالقنوط لدى النخبة المسلمة ومنحها الشعور باحترام الذات.
وتصدر مكتبة الإسكندرية لإقبال ضمن سلسلة "في الفكر النهضوي الإسلامي" كتاب "تجديد الفكر الديني في الإسلام" بتقديم الدكتورة الشيماء الدمرداش العقالي، وهو عبارة عن سلسلة محاضرات ألقاها إقبال بين عامي (1928 و1930م) بمدراس، وقد ترجمه إلى العربية للمرة الأولى الدكتور عباس محمود في الخمسينيات، ثم ترجمه الدكتور محمد يوسف عدس كاملاً في التسعينيات. وتناول فيها قضايا الأصالة والمعاصرة والصلة بين العقل والعاطفة، وحاول فيه أن يبرز الأفكار التي تمثل جوهر الإسلام الصحيح والتي تحفز التجديد والخروج من ربقة الأنظمة الاجتماعية والسياسية الفاسدة التي سببت ركود الإسلام وتراجع المسلمين في مواجهة الغرب.