علي شريعتي (مشهد 1933م- لندن 1977م)
كتاب "العودة إلى الذات"
هو أشهر المفكرين الإسلاميين الإيرانيين وأبعدهم أثرًا في العالمين العربي والإسلامي، وأحد أهم علماء الاجتماع والتاريخ المسلمين في القرن العشرين. ومثل فكره الثوري مزيجًا رائعًا ومتناغمًا بين الفكرين الإسلامي والغربي، ويعتبر أحد آباء الثورة الإسلامية في إيران.
وُلد شريعتي في مزينان بالقرب من مدينة مشهد المقدسة، وهو ابن عالم دين ومجتهد شهير هو الشيح محمد تقي شريعتي. وقد التحق بكلية الآداب في جامعة مشهد وتخرج في قسم الآداب الفارسية بتقدير امتياز عام 1959م. وقد اشترك في حركة محمد مصدق (1950-1953م) والتي انتهت بالفشل في تحقيق أهدافها، واعتقل هو ووالده عام 1957م لعدة شهور، ونقل إلى طهران.
وبعد تخرجه لقي صعوبات في الحصول على منحة للدراسة بالخارج، ثم حصل على منحة للدراسة في السوربون، وهناك تخصص في التاريخ وعلم الاجتماع، وتمكن من الحصول على الدكتوراه في تاريخ الإسلام عام 1964م. وعند عودته تم توقيفه عند الحدود التركية، وسجن لعدة شهور في طهران. ورفضت الحكومة أن يقوم بالتدريس في جامعاتها، فتوجه للتدريس في المدارس الثانوية في مشهد، إلى أن تهيأت له فرصة التدريس في جامعة الفردوسي بالمدينة نفسها.
وفي عام 1969م، أسس علي شريعتي "حسينية إرشاد" لتثقيف ونشر الوعي بين الشباب الإيراني، ولتعاظم تأثيرها ودورها بينهم قامت حكومة الشاه بإغلاق الحسينية واعتقال شريعتي عام 1973م. وبعد 18 شهرًا من الاعتقال، أفرج عنه بتدخل من الحكومة الجزائرية عام 1975م، وكان قد أحيل إلى التقاعد من عمله الجامعي بسنوات، ولم يجد مفرًا من مغادرة البلاد، فهاجر إلى لندن عام 1977، وبعد عدة شهور وُجِد مقتولا في نزله بساوثهامبتون بلندن، ويسود الاعتقاد بتورط جهاز الأمن الإيراني الشهير "السافاك" في اغتياله، وقد نقل جثمانه إلى سورية حيث دفن في منطقة السيدة زينب بدمشق.
وقد تأثر شريعتي بعدد كبير من المفكرين الكبار الذين ساهمت مقولاتهم في صياغة مشروعه الفكري، وكان أول من أثر فيه والده عالم الدين وصاحب الرؤية، وتحدث شريعتي عن تأثره بأساتذة علم الاجتماع الفرنسيين مثل جورج جورفيتش وريمون آرون، وبعدد من المستشرقين مثل لويس ماسينيون وجاك بيرك، وهنري ماسيه.
كما تأثرت رؤيته الاجتماعية بشخصية الصحابي أبي ذر الغفاري. كما تأثر شريعتي بالوجودي الألماني مارتن هايدجر، وكان لمواطنه عالم الاجتماع جلال آل أحمد عظيم الأثر على رؤيته للحضارة الغربية وكذلك شاعر الإسلام محمد إقبال. ومن بين من تأثر بهم أيضًا جان بول سارتر وفرانز فانون.
وقد ارتكز المشروع الفكري لشريعتي على ثلاث دعائم، هي؛ الالتزام بقضايا المجتمع وتقديمها على النوازع الفكرية الفردية، الالتزام بالمسئولية الاجتماعية للمفكر وتطوير نموذج "المفكر المسئول"، والتواصل مع الأجيال الشابة المعرضة للزحف الفكري ومسخ الهوية، وقد مثلت هذه الأركان سابقة فكرية تحسب لشريعتي قياسًا بمعاصريه من المفكرين.
وقد خلف أكثر من مائة عمل تجسد مشروعه الفكري ورؤيته الثورية، وقد انصب جزء كبير من هذه الأعمال على دراسة تاريخ الأديان والحضارة. ومن أشهر هذه الأعمال؛ "تاريخ الحضارة"، "تاريخ ومعرفة الأديان"، "أبي، أمي نحن متهمون"، "النباهة والاستحمار"، "التشيع الصفوي والتسنن الأموي"، "مسؤولية المثقف"، "سيما محمد"، "فاطمة هي فاطمة" وغيرها، كما نقل إلى الفارسية العديد من الأعمال من بينها البواكير الروحية للإسلام الإيراني لسلمان باك، "المعذبون في الأرض" لفرانز فانون "أبو ذر الغفاري" لعبد الحميد جودة السحار، وغيرها. وقد قامت دار الأمير اللبنانية بترجمة وتحقيق أعمال شريعتي وأصدرتها مجتمعة تحت عنوان "الآثار الكاملة للدكتور علي شريعتي"، وقامت أيضًا بإصدار دورية علمية تختص بفكره.
وتقوم مكتبة الإسكندرية بإصدار كتابه "العودة إلى الذات" ضمن سلسلة "في الفكر النهضوي الإسلامي" بمقدمة من الدكتور زكي الميلاد، وترجمة الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا. ويعتبر هذا الكتاب عنوانًا للمشروع الفكري لشريعتي وملخصًا لفلسفته؛ ففيه يتناول قضية العودة إلى الذات الحضارية لأمم العالم الثالث باعتبارها أهم ما تواجهه هذه الأمم، في مواجهة الاستعمار. وهو يعالج هذه القضية بصورة عامة ثم يعرضها على الحالتين الإسلامية والإيرانية.