عبد الرحمن الكواكبي (حلب 1854م-القاهرة 1902م)
كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"
هو من أهم المفكرين الإصلاحيين العرب في نهاية القرن التاسع عشر، وقد ارتبط اسمه بتناوله لقضية الاستبداد وأثره على ركود الأمة العربية. ولد الكواكبي لأسرة يمتد نسبها إلى الإمام علي رضي الله عنه، وكان والده السيد أحمد بهائي بن مسعود عالمًا فقيهًا وقاضيًا لولاية حلب وقائمًا على مدرسة الكواكبية بها، ووالدته السيدة عفيفة ابنة قاضي مدينة أنطاكية.
نشأ الكواكبي في حلب، وتلقى أولى معارفه على يد خالته السيدة صفية النقيب، ثم ألحقه والده بمدرسة الشيخ طاهر الكلزي وبدأ في تعلم مبادئ العلوم، وتعرف ولم يبلغ العاشرة على علماء عظام مثل العلامة عبد الرحمن العلبي، والسيد نجيب النقيب. ثم التحق بالمدرسة الكواكبية حيث يدرس والد، وهناك درس العلوم الشرعية، وبدأ في إتقان العربية والفارسية والتركية، وأخذ في تلقي العلوم العصرية والإطلاع على العلوم الطبيعية، والصحافة المترجمة والقادمة من إستانبول.
وقد أثرت تركيبة مدينة حلب العريقة السكانية والثقافية والاقتصادية في شخصية عبد الرحمن الكواكبي، حيث كانت المدينة تجع بالنشاط والحركة الثقافية، وقد تعرف على عدد من الأدباء والمفكرين مثل جبرائيل دلال، وميخائيل صقَّال، وكمال الغزي، وغيرهم. غير أن أهم ما أثر في أعمال الكواكبي إدراكه للركود الحضاري الذي أصاب الحضارة العربية والإسلامية، وبلوغ الاستبداد العثماني الذي مارسه السلطان عبد الحميد الثاني ذروته. وببلوغه العشرين، نضجت شخصية الكواكبي الفكرية والمهنية.
بدأ الكواكبي حياته المهنية بالعمل كمحرر في جريدة "فرات" الرسمية، ثم أنشئ مع صديقه هاشم العطار صحيفة "الشهباء" ليمارس فيها الكتابة بحرية، وأخذ في نقد جوانب الإدارة العثمانية ألمح من طرف خفي باستبداد السلطان،ـ وقد حققت كتاباته ذيوعًا وانتشارًا، وهو ما عجّل بإغلاق الصحيفة بأمر من الوالي. ثم قام الكواكبي بإصدار جريدة الاعتدال عام 1879م بالعربية والتركية غي أن سيف الملاحقة التركية سرعان ما أغلقتها. فأخذ الكواكبي في مراسلة عدد من الصحف المصرية واللبنانية. واتجه بعد ذلك لدراسة الحقوق، والتحق بالعديد من الوظائف الإدارية بولاية حلب في إدارات (المعارف والأشغال والمالية والمحاكم والبلدية). كما قام بممارسة المحاماة وافتتح مكتبًا له، وقد أكسبه نشاطه الرسمي وجرأة أفكاره الكثير من العداوات بين موظفي الولاية وجلب عليه سخط الحكومة العثمانية، فتعرض للسجن مرتين عام 1886م، وصودرت مزرعته، فقرر الهجرة إلى مصر عام 1899م. وكتب بحرية وتوسع في جريدة "المؤيد" مستفيدًا من علاقته الجيدة بصاحبها الشيخ علي يوسف وبالخديوي عباس الثاني، وأصدر كتابه "أم القرى" عام 1900م، وتناول فيه إصلاح حال الأمة الإسلامية من خلال دعم فكرة اللامركزية في الحكم وإعادة الخلافة العربية وهو ما وضعها على رأس التيار القومي العربي المعاصر.
وقد قام بجولة في مجمل العديد من الأقطار الإسلامية للوقوف على حالها، فزار اليمن والجزيرة العربية والهند وسواحل أفريقيا الشرقية، ثم عاد مرة أخرى إلى مصر، غير أنه لم يسلم من ملاحقة الاستبداد التركي، فاغتيل بالسم عام 1902م، ودُفن بالقاهرة ورثاه عظماء عصره.
وتصدر مكتبة الإسكندرية في سلسلة "في الفكر النهضوي الإسلامي" كتابه الأشهر "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" بمقدمة الأستاذ مجدي سعيد، وقد مثل هذا الكتاب الذي تناول فيه بالشرح قضية الاستبداد من حيث جذورها ونتائجها السلبية على حال الأمم وعلاقتها الجدلية بالدين، مصدر إلهام لكل دعاة الحرية في العالم العربي على امتداد القرن الماضي. ويمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة الدعامة الثانية لمشروع الكواكبي الفكري الذي ارتكز على علاج انحطاط العالم الإسلامي بدفع الاستبداد بالشورى. أما الدعامة الثانية فكانت إعادة العرب إلى قيادة العالم الإسلامي.