الطاهر ابن عاشور (تونس 1879م- تونس 1973م)
كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية"
أهم وجوه التجديد الإسلامي في تونس في القرن العشرين. ولد محمد الطاهر بن عاشور لأسرة عربية عريقة تعود أصولها إلى الأندلس كما تنتسب إلى الأشراف الأدارسة، ولها بان عميق في العلم والقضاء والإفتاء والتدريس والإشراف على الأوقاف الخيرية. حفظ القرآن صغيرًا وقرأ وحفظ المتون العلمية الكبرى كالأجرومية وألفية ابن مالك، ومتن ابن عاشور.
وفي عام 1892م، التحق بجامع الزيتونة، ودرس فيه علوم اللغة والشريعة والأصول والفلسفة، وقد برز وتفوق في دراسته على أقرانه وساعدته على ذلك البيئة العلمية التي نشأ فيها وشيوخه العظام في جامع الزيتونة، وتعلمه اللغة الفرنسية، وقد طالع أمهات الكتب وراجع دواوين العلم حتى حصل على شهادة التطويع عام 1899م. والتحق عقب حصولها عليها بالتدريس في الزيتونة، وارتقى إلى درجة "المدرس الأول من الطبقة الأولى" بعد اجتياز اختبارها سنة 1907م. وكان قد اختير مدرسًا بالمدرسة الصادقية ذات المنهج المتطور عام 1904م.
ترعرع بن عاشور في كنف الحركة الإصلاحية التجديدية التي كان يمور بها العالم الإسلامي آنذاك، وكانت تونس من أول البلدان الإسلامية التي ساهمت في هذه الحركة في عهد وزيرها الأعظم خير الدين، وقد ساهم الكثيرون من أساتذته في هذه الحركة التي اقترنت بمقارعة الاستعمار والخروج بالدين من حيز التقليد والجمود إلى حيز التجديد والإصلاح. وفي عام 1903م، شهدت تونس زيارة مفتي الديار المصرية الأستاذ الإمام محمد عبده، وكانت هذه الزيارة حدثًا دينيًّا ثقافيًّا كبيرًا، التقى فيه بن عاشور بالأستاذ الإمام بعد أن استوعب أفكاره، وأعجب بعلمه وآرائه الأستاذ الإمام وأطلق عليه "سفير الدعوة". وقد توطدت العلاقة بين بن عاشور والشيخ رشيد رضا تلميذ محمد عبده المباشر، ونشر مقالات في صحيفة "المنار".
تولى بن عاشور العديد من المناصب التعليمية والتربوية بتونس، وحاول فيها تطبيق آراء الإصلاح والتجديد المرتكز على إعادة هيكلة وتنظيم التعليم والتربية؛ فعُيَّن عضوًا بمجلس إدارة الجمعية الخلدونية، ونائبًا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة عام 1907م.
ثم أُعيد شيخًا للزيتونة عام 1944م، وأدخل إصلاحات كبيرة في نظام التعليم الزيتوني، ورفع عدد طلابه وزادت المعاهد التعليمية. وعمد إلى إصلاح الكتب الدراسية، وطور من أساليب التدريس، واهتم بالعلوم الطبيعية والرياضيات، مع حرصه على الحفاظ على الصبغة العربية الإسلامية للجامع. وفي عام 1956م، سمي عميدًا لجامعة الزيتونة، لكنه أحيل إلى التقاعد عام 1960م، بسبب موقفه من حملة الدولة ضد فريضة الصوم. وتوفي في عام 1973، ودفن بمقبرة الجلاز جنوبي تونس.
وقد خلف بن عاشور العديد من الأعمال النفيسة المؤلفة والمحققة، في علوم اللغة والأدب والشريعة. ومن أهم أعماله؛ تفسير القرآن الكريم تحت عنوان "التحرير والتنوير"، و"أصول الإنشاء والخطابة" و"موجز علم البلاغة" و"أليس الصبح بقريب" و"أصول النظام الاجتماعي في الإسلامي"؛ وهو بمثابة تناول لفكر التجديد والأصالة وغيرها من أعمال ومؤلفات. كما كتب بن عاشور في العديد من الصحف والجرائد التونسية والعربية.
وتصدر مكتبة الإسكندرية للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ضمن سلسلة "في الفكر النهضوي الإسلامي" بمقدمة من الدكتور حاتم بوسمة كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية"، ويقع الكتاب المنشور لأول مرة عام 1946م في القلب من المشروع الإصلاحي لابن عاشور ففيه دعوة للاجتهاد والإصلاح والتجديد الذي تحتاجه الشريعة الإسلامية في مواجهة التشريعات الوضعية. وتناول فيه مقاصد الشريعة من حيث بيانها وأنواعها وضرورة قيادتها لاجتهاد الفقيه ونظره فيما يعرض له من قضايا، وقد أراد هذا الكتاب لأن يكون "نبراسًا للمتفقهين في الدين ومرجعًا لهم عند اختلاف الأنظار وتبدل الأمصار..".