لغز الحضارة الإنسانية – الحلقة السادسة

شارك

قارب النهار على بدايته وأنت تتساءل: ألن ترحل هذه الكائنات عن غرفتي أبدًا؟ ما لهم لا ينطقون؟ لماذا لا يصدر منهم أي تعبير أو حركة؟ فأنت تريد أن تبدأ يومك وتمارس طقوس بدايات يومك الجديد، وهم معك في الغرفة، ولم يخبروك بعد بسرهم.

وفجأة تجدهم وقد تمثَّلوا في صيغة آدمية؛ إنسان طويل جدًّا وآخر بدين جدًّا والثالث قصير جدًّا. فتجد راحة بداخلك من هذا التحول المفاجئ وتتلاشى تماما مشاعر الدهشة والخوف ويحل محلها مشاعر وتساؤلات أخرى: فماذا ستخبر من هم معك في البيت عن صفة الأشخاص الثلاثة؟ وأنت ما زلت منتظرًا أن يكملوا حوارهم معك.

يبادرك الطويل جدًّا بقوله: نحن نقدر لك صبرك على زيارتنا ونعتذر عن أية مشاعر سلبية قد تولدت لديك إزاء اقتحامنا بيتك وغرفتك. ويكمل البدين بطريقته المعتادة وصورته الآدمية الجديدة: لقد آن الأوان يا صديقنا أن تعرف من نحن ومن أين جئنا. ويتدخل القصير جدًّا: ليس مهمًّا مكاننا ولكن المهم هو أن تعرف أننا جئنا من كوكب كان مثل كوكبكم الذي لم تحافظوا عليه. ويتدخل الطويل جدًّا: نحن ندعوك يا صديقنا لزيارة كوكبنا الذي يسبق كوكبكم؛ من حيث إصلاح سبل الحياة وطرائقها وترويضها.

ثم ينظر إلى البدين ليكمل: في كوكبنا كل طفل يتعلم ممارسة أقصى درجة من تحمل المسئولية، ويتم توجيهه إلى العمل الذي تحدده رغباته وقدراته. إنه يولد في أحسن حال ومن والدين يتمتعان بصحة نموذجية بعد أن قررت أمه أن تحمل به بعد تفكير عميق واستعداد تام. وينظر إلى القصير جدًّا ليكمل وكأن ثلاثتهم يقرأون من ملف مفتوح أمام أعينهم فيقول القصير جدًّا: ينمو الطفل وسط أفضل الظروف الصحية، ويتم تعزيز رغباته الطبيعية في اللعب والتعلم بأكثر الطرق التعليمية تطورًا وفعالية. ويداه وعيناه وأعضاؤه الأخرى تتاح لها كل فرصة ممكنة للتدريب والنمو. إن الطفل عندنا يتعلم كيف يرسم، ويكتب، ويعبر عن نفسه، ويستخدم تنويعة كبيرة من الرموز لمساعدته وتوسيع مجال فكره. كما تغرس فيه سلوكيات الرقة، والطيبة، واللطف، والكياسة؛ لأن كل شيء عندنا حوله رقيق ولطيف.

ثم يتوقف وينظر إلى الطويل مشيرًا إليه بأن يكمل عنه، ولكن توقفهم أنت عن الاسترسال متسائلًا: تقولون كوكبكم " كان"؟ أيعني هذا أنكم مررتم بما نحن فيه من مشكلات وعقبات، ثم تغلبتم عليها؟ أيعني هذا أنكم كنتم مثلنا في يوم من الأيام؟ أنا مهتم جدًّا أن أسمع بقية كلامكم وآسف على المقاطعة. يشير إليك الطويل جدًّا بالموافقة على تساؤلاتك ويكمل: في كوكبنا اليوم تتم بوجه خاص مراقبة نمو قدرات الطفل على التخيُّل وتشجيعها وتطويرها. ويتعلم الطفل تاريخ عالمه وجنسه، وكيف أن الإنسان عندكم كما كان الفرد عندنا كافح – وما زال يكافح – للخروج من ضيق أفقه الحيواني السابق وغروره وأنانيته، إلى حلم الإمبراطورية المثالية الذي ما زال لا يفهمه جيدًا.

ثم يشير إلى البدين جدًّا فيقول بشكل آلي كما هو: والطفل عندنا يتم ترقيق كل رغباته وتحسينها، فهو يتعلم من الشعر، ومن الأمثلة الناجحة، ومن حب أولئك الذين يحيطون به؛ لكي يتبدد قلقه وغمه. ويتم عندنا توجيه فضول الطفل وحب استطلاعه تجاه العلم الواسع، وترويض الكبرياء والطموح لديه تجاه تحقيق الإنجازات المشتركة مع بني جنسه. إن الصغير في كوكبنا عندما يكبر يعمل في المجال الذي يحبه ويجتذبه، وهو الذي يختار الشيء الذي يريد عمله.

يثيرك هذا الكلام وتتساءل: عفوًا أيها الأصدقاء، إنكم تتحدثون عن مكان مثالي بشكل مبالغ فيه، وقد لا يتحقق عندنا أبدًا. ولكن أريد أن أسألكم ما مصير الفرد أو الواحد منكم إذا كان كسولًا وغير منتج؟ يتبارى البدين للإجابة قائلًا: إذا كان الفرد كسولًا أو بطيئًا؛ فلن يحدِث ضررًا كبيرًا؛ إذ إن هناك متسعًا للجميع في كوكبنا. لكنه عندئذ لن يجد أي فرد يحبه، ولن ينمو ويتطور، وسيفقد الكثير من قدراتنا التي رأيت بعضًا منها الليلة.

فنحن عندنا لا نحب أولئك الذين يفتقرون إلى النشاط والحيوية ولا يريدون تنمية مهاراتهم وقدراتهم. ويتدخل القصير: لا يوجد عندنا ألعاب أو استعراضات يشاهدها الآخرون، لا يوجد شيء لمجرد مشاهدة الآخرين له. عالمنا جميل جدًّا ورائع لقضاء العطلات، ولكن ليس لأولئك الذين لا يفعلون أو يقدمون شيئا أبدًا. يتدخل الطويل مكملًا: يا صديقنا العزيز، لقد حدثت في كوكبنا معجزة كبيرة يصعب شرحها لك كما يصعب عليك استيعابها. لقد كنا يومًا منذ آلاف القرون مثلكم من لحم ودم؛ رأس ثابت، ويدان مكانهما ثابت، وكذلك قدمان، ولم تكن لدينا قدرة على التخلص من الجاذبية، وكنا مشدودين إلى الأرض مثلكم بفعل تلك الجاذبية.

تسمع أنت ذلك فاغرًا فاهك فهذا كله – بالنسبة لك – خيال في خيال، ولا تملك إلا مواصلة الاستماع. يكمل الطويل كلامه: إن المعجزة التي أخرجتنا وحررتنا من قيد أجسادنا ومن عصر فوضى الحياة كانت هي حب العلم والاستطلاع والرغبة في التفكير العميق لحلول مشاكلنا. وأردف القصير: ولا تنس كذلك رغبة أسلافنا القوية في اللعب واللهو والتي امتدت في حياة البالغين منهم حتى وصلت إلى غريزة لا يمكن إشباعها في حب المعرفة والاستكشاف الخلاق، حتى صاروا مع مرور الزمن والقرون الطويلة مثل ما ترى مخلوقات متحررة ولديها قدرات غير محدودة. يقف الكلام والاسترسال عند سماع صوت جرس المنبه الذي صدر عن هاتفك يذكرك بموعد الاستيقاظ.

رسوم محمد خميس.

الحلقة منشورة في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2015.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية