هدايا العام الجديد لا تقدر بثمن (2): عام التعامل مع عدم اليقين

شارك

الدرس الثاني المهم الذي علمنا إياه العامين الماضيين (اقرأ الدرس الأول في هذا المقال) يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعمل عقولنا؛ وهو أهمية اكتساب القدرة على تحمل الشعور بعدم اليقين. فدعونا نعرف ما الخطأ في تعاملنا مع عدم اليقين، ولماذا يحاول عقلنا تجنبه بكل الطرق.

العقل يعالج ويتنبأ

يشير علماء الأعصاب إلى أن عقولنا تتوق إلى اليقين ومتعطشة للمعلومات كأولوية قصوى للبقاء على قيد الحياة؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن العقل يحاول تجنب عدم اليقين؛ لأنه يولد الاستجابة للألم أو التهديد في الجهاز الحوفي. ولكن، لماذا يحدث ذلك؟

حسنًا، إذا واجهت موقفًا بدون معلومات عنه، يرصد عقلك وجود خطأ ما، وهذا يؤثر في قدرتك على التركيز في الأمور الأخرى. وذلك لأن العقل عنده قاعدة صارمة للغاية في هذه الحالة: وهي أن الحصول على المعلومات أمر مجزٍ وعدم وجودها يشعرنا بالتهديد. ولا يتطلب الأمر معلومات فقط للتعامل مع الوضع الحالي؛ فالتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك مهم جدًّا بالنسبة إلى العقل، ومن أجل الوصول إلى هذه الحالة، يجب أن يشعر باليقين وتجنب الغموض.

على سبيل المثال، عندما تسمع شيئًا ما، يميل عقلك إلى الاستماع والتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك. وعند تلبية هذه الرغبة في اليقين، فإنك تكتسب الإحساس بالمكافأة. من ناحية أخرى، في أثناء الموقف، لا يمكنك التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك ولا نتيجته، فيتنبه العقل لإبداء مزيد من الاهتمام، ويعمل كما لو كان يواجه تهديدًا.

الغموض، واكتساب المعلومات، والدوبامين

أدركت دراسة أجريت عام 2015 أن قليلًا من الغموض في حد ذاته يشعل لوزتي الحنجرة، اللتين تؤديان دورًا مهمًّا في التحكم في المشاعر والسلوك، وهما معروفتان بمعالجة الخوف. وكلما زاد الغموض زاد الشعور بالتهديد، ومن ثم قل الشعور بالإنجاز الموجود في المخطط البطني، الذي له دور مهم في اتخاذ القرار والسلوك المرتبط بالمكافأة.

يشير العلماء أيضًا إلى أن عقولنا دائمًا ما تسعى إلى الحصول على المعلومات؛ ولو لم تساعدنا على أن نكون أقوى فاعلية وتكيفًا، فإنها تقلل الشعور بعدم اليقين، وهذا ما يحتاج إليه العقل.

توصلت دراسة أخرى، أجراها باحثون في كلية هاس (بيركلي) لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا، إلى أن اكتساب المعلومات له تأثير المكافأة نفسه المنتج للدوبامين في العقل مثل المال والطعام. كذلك تشير إلى أنه في بعض الأحيان قد نسعى إلى الحصول على معلومات حول شيء ما لمعرفته فقط، دون نية الاستجابة. هذا لأننا نحن البشر كائنات فضولية بطبيعتها؛ فنحن نسعى إلى التعلم واستكشاف أشياء جديدة ولو لم يكن لها فائدة كبيرة لنا. من الأمثلة الشائعة على ذلك تصفح وسائل التواصل الاجتماعي دون البحث عن شيء بعينه، والحصول فقط على معلومات عشوائية.

ماذا عن حالة عدم اليقين التي فرضها علينا كوفيد-19؟

لقد أضافت هذه الفترة الغموض وحالة من عدم اليقين على جميع جوانب حياتنا تقريبًا. حتى متابعة المعلومات المتداولة للتيقن بما يجري والتنبؤ بما سيحدث لم يكن له جدوى. فجأة خرج كل شيء عن سيطرتنا؛ ما تركنا متوترين وخائفين دون أي إشارة إلى توجيهنا.

على الرغم من أن كل واحد منا يستجيب باختلاف لشعور عدم اليقين، فلكل منا حدود لما يمكننا تحمله. إن الخطوة الأولى التي علمنا إياها عام 2020 للتعامل مع حالة عدم اليقين هي تقبلها؛ مما يساعدنا على تجاوز مثل هذه الأوقات الضبابية والمضي قدمًا مع عواقب سيئة أقل.

مبادئ التعامل مع عدم اليقين

تنقسم هذه المبادئ إلى قسمين. يتعلق الجزء الأول بما يعرف بـ«صخور الاستقرار»؛ وهي عملية تضيف أمرًا موثوقًا به إلى حياتك عندما تشعر بأن الأمور تخرج عن السيطرة لاستعادة التوازن. ويمكن أن تتجسد صخور الاستقرار في روتينك وطقوسك، مثل:

  1. الاستيقاظ في الموعد نفسه كل يوم.
  2. تناول وجبات منتظمة.
  3. الذهاب إلى الفراش في الموعد نفسه.
  4. ممارسة الرياضة كل صباح.
  5. التواصل مع الأصدقاء.

بعد توفير بعض المساحة والاحتفاظ بالطاقة للممارسة العملية للتعامل مع عدم اليقين، إليك الجزء الثاني:

  1. حوِّل التفكير إلى حل للمشكلات من خلال التعامل مع الأشياء التي يمكنك التحكم فيها. على سبيل المثال، بدلًا من القلق بشأن انتشار الفيروس، اتخذ الاحتياطات اللازمة واهتم بالنظافة واتبع التعليمات.
  2. واجه مشاعرك ولا تحاول قمعها؛ لأن التعامل بهذه الطريقة قد يجعلك عرضة للاكتئاب والإرهاق.
  3. حاول أن تحدد مسببات إحساسك بعدم اليقين، فستجد أن عديدًا من هذه المسببات ناجم عن القلق المفرط.
  4. ركز في الحاضر، في اللحظة ذاتها. فيمكن أن يتركك عدم اليقين يائسًا في مواجهة مخاوفك وقلقك بشأن المستقبل، ويمنعك من اتخاذ الإجراءات المناسبة للتغلب على المشكلة.
  5. احتفِ بإنجازاتك، مهما كانت كبيرة أو صغيرة. فإنك تحتاج فقط إلى قضاء بعض الوقت في التفكير في إنجازاتك والفخر بها.
الآن، أليس هذا الوقت المناسب لاحتضان الهدايا الثمينة التي قدمتها لنا الأعوام القليلة الماضية؟

المراجع

au.reachout.com
bbc.com
helpguide.org
medicalnewstoday.com
neurosciencenews.com
nhs.uk
psychologytoday.com

Credits: Banner Image/Freepik

*المقال منشور في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء وربيع 2021

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية