كان العامان الماضيان صعبين وغير متوقعين، إذ واجهنا فيهما ظروف وتحديات غير مسبوقة، وعانى فيهما كثيرون واستسلموا للشدائد، في حين سعى آخرون إلى التغلب عليها. وفي ظل استمرار الجائحة، كان علينا البحث عن آليات؛ فكانت الطريقة الوحيدة لتجاوز هذه المرحلة هي الجلوس في هدوء، وأخذ نفس عميق، والاسترخاء، والتفكير فيما يحدث.
خلال مثل هذه الأوقات والمواقف الصعبة، تختلف ردود أفعالنا بشكل هائل؛ وهو أمر طبيعي لأن لكل منا تجاربه الخاصة، وسماته الشخصية، ومخاوفه، ووجهات نظره التي تجعله الشخص الذي هو عليه الآن. ومع ذلك، وضعت السنوات القليلة الماضية مبدأ مهمًّا جدًّا في الصدارة ليساعدنا على التغلب على الشدائد والمضي قدمًا؛ وهو «المرونة والتكيف».
يُعرِّف العلماء المرونة والتكيف بأنها عملية مواجهة تحديات الحياة –من صدمات، وشدائد، وتهديدات، وضغوط أخرى– والتعافي لتصبح أقوى من ذي قبل. وتتضمن هذه العملية نموًّا شخصيًّا خفيًّا. على الرغم من أن هذه الأحداث والضغوط قد يكون لها تأثير قوي في حياتك، فلا يتعين عليها تحديد نتيجتها؛ فهي لا تحدد حياتك.
يشير علماء النفس إلى السمات الشخصية للشخص المرن أنه يمتلك القدرة على خوض التجارب والتحديات الجديدة، وأنه مندمج اجتماعيًّا، وقابل للتكيف، ومتفائل. ويؤكدون أن الأشخاص المرنين عندهم بعض السمات المشتركة، مثل الآراء الإيجابية عن أنفسهم وقدراتهم، وقدرتهم على التحكم في أنفسهم؛ إذ يعدون أنفسهم مقاتلين وليسوا ضحايا. هذا، بالإضافة إلى أنهم يحصلون على درجات عالية على مقياس الذكاء العاطفي والتحكم في العواطف.
الاستسلام؟ أم التغلب على المصاعب؟
ينقسم الناس إلى فئتين في مواجهة الكوارث والمصاعب. من ناحية، يوجد من هم غير قادرين على التعامل مع المصاعب ويستسلمون للعبء العاطفي الثقيل؛ إذ يعدونه عقبة. ومن ناحية أخرى، يوجد من ينجحون في هذه العملية الصعبة؛ إذ يمتلكون القدرة على التغلب على المصاعب، فيصبحون أقوى، ويعدونها فرصة للتطور. ومع ذلك، فما الذي يحدد ذلك؟ إنها المرونة والتكيف.
يتمتع الأشخاص المرنون بالقدرة على التعامل مع المشكلات والتعافي منها، سواء كانت مشكلات مرتبطة بالعلاقات، أو العمل، أو المحن العالمية مثل كوفيد-19، على سبيل المثال. فعوضًا عن الاستسلام لليأس، فإنهم يستخدمون استراتيجيات التأقلم التي تساعدهم على التغلب على مثل هذه المشكلات ومواجهتها. وهذا لا يعني أنهم لا يشعرون بالتوتر أو القلق الناتج عن هذه المواقف، بل يعني أنه يمكنهم التعامل معها وبإمكانهم أن يخرجوا منها أقوى من ذي قبل؛ إذ تسمح لهم نظرتهم العقلية بالعمل من خلال هذه المشاعر الثقيلة والتعافي منها.
ومن ناحية أخرى، فإن الأشخاص الذين يفتقرون إلى المرونة تغمرهم التحديات الثقيلة بسبب استخدام آليات التأقلم غير الصحية. فيصابون بخيبة أمل ويصبحون غير قادرين على تجاوز هذه النكسات؛ ونتيجة لذلك، فإنهم يعانون ضائقة نفسية أكبر.
هل أنا مرن؟
لمعرفة ما إذا كنت تحمل هذه السمة الشخصية أم لا، يمكنك مراجعة دفتر يومياتك للعام الماضي على سبيل المثال، والتفكير في المواقف الصعبة التي مررت بها وكيف استجبت لها. هل تجد أن المرونة قد حددت أفعالك وردود أفعالك؟ أو لا؟ إذا كانت الإجابة «نعم» فهذا أمر جيد لك، وإذا كانت الإجابة «لا» فلا توجد مشكلة! يشير العلماء إلى أنه يمكن اكتساب سمة المرونة في أي وقت في حياتك؛ لأنها سمة شخصية تتضمن سلوكيات وأفكارًا وأفعالًا. أهم شيء يجب مراعاته هو أنها تحتاج إلى وقت ونية لاكتسابها؛ فالأمر لا يحدث بين ليلة وضحاها أو من فراغ.
مبادئ المرونة
للحصول على ناتج جيد للمرونة، يجب أن تبذل جهدًا في اكتسابها من خلال الخطوات السبع المهمة التالية:
1– تواصل مع الأشخاص الجديرين بالثقة، الذين يتمتعون بالتعاطف ليساعدوك ويدعموك ويتفهموا مشاعرك.
2– اعتنِ بصحتك العقلية والجسدية؛ لأن نمط الحياة الصحي هذا سيساعدك على التكيف مع الضغوط وتقليل الخسائر الناجمة عن الاضطرابات العقلية في الأوقات الصعبة.
3– ابحث عن غاية لحياتك يمكن تحقيقها من خلال التحرك نحو أهدافك، ويجب أن تكون واقعية ومقسمة إلى إنجازات صغيرة قابلة للتنفيذ. وكذلك يمكن أن تكون من خلال مساعدة الآخرين؛ ما يعزز تقدير الذات ويمكِّنك من تطوير المرونة والتكيف.
4– ابحث عن فرص لاكتشاف الذات وتقدير النمو الذي يحدث في شخصيتك بسبب التغلب على الصعوبات. هذا لا يعني القضاء على نقاط الضعف التي واجهتها؛ فيجب أن نعرفها وأن تلاحظ زيادة الشعور بالنمو الذاتي.
5– احتضن الأفكار الصحية وعدم تضخيم العقبات؛ فإبقاء الأمور في نصابها وعدم تضخيم الصعوبات جزء أساسي جدًّا من بناء المرونة والتكيف.
6– ركز فيما يمكنك فعله، وتخلص من الأشياء البعيدة عن سيطرتك؛ سيساعد هذا على تحسين إحساسك بالسيطرة والمرونة.
7– أخيرًا، تعلم من ماضيك وسلط الضوء على اللحظات التي يمكنك فيها الاستجابة بفاعلية للمواقف الصعبة لاكتشاف نقاط قوتك.
الآن، أليس هذا الوقت المناسب لاحتضان الهدايا الثمينة التي قدمتها لنا الأعوام القليلة الماضية؟
المراجع
Raphael Rose “From Stress to Resilience”, TEDx Talks (Youtube)
apa.org
developingchild.harvard.edu
verywellmind.com
Credits: Banner Image/Freepik
*المقال منشور في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء وربيع 2021.