خطة شركة الموارد الكوكبية لإطلاق عملية تعدين خاصة في الفضاء بالتأكيد من الأمور التي كانت بمثابة الخيال العلمي ومن ثمَّ تحولت إلى حقيقة. فقد يبدو الأمر مفهومًا جديدًا متطرفًا، إلا أن كاتبي الخيال العلمي كانوا قد تناولوا بالفعل فكرة التنقيب عن الموارد الطبيعية في السماء لفترة طويلة.
هل تذكرون فيلم "الفضائيون" (Aliens)، أو فيلم "خارج الأرض" (Outland) من بطولة شون كونري؟ دعوني أعطي نُبذة لغير متابعي أعمال الخيال العلمي، فلقد شاعت تلك الفكرة كثيرًا في هذا النوع من الأدب؛ حيث كانت محورًا لقصص العديد من الكتب والأفلام. ومن المثير للدهشة، أو ربما من المتوقع، أن يكون اثنان من تلك الأفلام من إخراج أحد مؤسسي شركة الموارد الكوكبية، وهو جايمس كاميرون.
ولكن ما يثير الدهشة حقًّا، وإن كان ربما فألاً سيئًا، هو أنه في الفيلمين المذكورين لم تنته عمليات التعدين في الفضاء نهاية جيدة؛ فقد انتهى الأمر فيهما بوقوع كوارث واضطرابات كونية مأساوية. فبينما نبقي على أملنا في جهود جايمس كاميرون الأخيرة في شركة الموارد الكوكبية، دعونا نتفقد كيف قام الخيال العلمي في الأفلام والكتب بدفع الواقع؛ فلعلنا نتمكن أيضًا من تخيل ما قد يحدث إن استمرت الحياة في محاكاة الفن.
لعل الذِّكر الأول للتنقيب في الفضاء كان في رواية "غزو إديسون للمريخ" بقلم جاريت ب. سيرفيس التي نُشرت في 1892. ففيما يعتبر تتمة لكتاب سابق، يقوم توماس أديسون - والذي صدَّق رسميًّا على الكتاب - بزيارة المريخ؛ حيث يسافر في طريقه إلى كويكب ليتخلص من مجموعة من المِريخيين كانوا - كما قد نتوقع - ينقبون فيه عن الموارد.
منذ ذلك الحين، أصبح التنقيب في الكويكبات والتعدين في السماء من المحاور الرئيسية في أعمال الخيال العلمي؛ حيث ظهر في أعمال عدَّة بدءًا من كتابات روبرت هاينلين إلى سلسلة كتب "حرب الكويكبات" لبين بوفا. فأصبح التنقيب في الفضاء بصفة عامة مجازًا للآفاق الجديدة ولتوسُّع البشر؛ حيث يقوم الرواد باستكشاف المجالات الخارجية، فيخاطرون بحياتهم للتربح، ويتنافسون على المصادر، وهكذا. فتشبه تلك القصص أفلام الغرب الأمريكية، ولكن بدلاً من البنادق والأحصنة، تستخدم فيها أشعة الليزر ومركبات الفضاء.
هل يقع الأمر طريفًا على مسامعك؟ لا تنس إذًا أن قصص تلك الأفلام لم تكن لعبًا ومرحًا فحسب؛ ففي أغلب الحالات، أخذ الكاتبون قصصهم لطرقٍ مظلمة، وخطيرة، وكارثية، ربما ليعيدوا هؤلاء الذين يجرؤون إلى أرض الواقع.
ففي فيلم "خارج الأرض" المستقبلي، يُكلَّفُ المارشال الفيدرالي ويليام أونيل - والذي يقوم بدوره شون كونري - بمهمة متمثلة في رحلة إلى قاعدة تعدين خام التيتانيوم على سطح "لو"، وهو قمر بركاني لكوكب المشترى. والظروف على قمر لو صعبة؛ فجاذبيته سُدُس جاذبية الأرض وليس له غلاف جوي صالح للتنفس، وزي الفضاء ثقيل ومرهق؛ فتكثر اللوثات العقلية، ويعد الموت نتيجة انعدام الضغط أمرًا معتادًا.
وإن لم يكن فيلم "خارج الأرض" تحذيرًا كافيًا، فبعد بضعة سنوات - خمسة سنوات تحديدًا - يجب وأن يكون غزو جايمس كاميرون لعمليات التنقيب في الفضاء في فيلم "الفضائيون" عام 1986 كافيًا. وهذا الفيلم ليس عن التعدين في الكويكبات بالضبط، ولكنه يروي حكاية تحذيرية جيدة تجعلك تتعجب كيف لم يفكر كاميرون مرتين قبل الاستثمار في شركة الموارد الكوكبية.
ففي هذا الفيلم، "هادليز هوب" هي مستعمرة صغيرة تقوم بالتنقيب في قمر كوكب يدعى "أركيرون ل.ف-426". وقد كان كل شيء يجري على ما يرام حتى تعثر أحد العاملين بمركبة فضائية غريبة، مطلقًا بذلك الفضائيين من جنس "إكزينومورف" الذين يدمرون المستعمرة ويرغمون بطلة الفيلم إيلين ريبلي (والتي تجسدها الممثلة سيجورني ويفر) على تدمير الموقع برمته باستخدام القنابل النووية "فقط لتتأكد من زوال الخطر".
وقد تطرق كاميرون إلى التنقيب في الفضاء مرة أخرى في فيلم "أفاتار"؛ وهو أيضًا ذو قصة مظلمة تجري في منتصف القرن الثاني والعشرين؛ حيث ينقب البشر عن معدن الأنوبتانيوم النفيس في قمر "باندورا" الغني المأهول، والذي يقع في النظام النجمي "ألفا سيناتوري".
فيهدد توسع مستعمرة التنقيب بقاء قبيلة "نافي" المحلية التي تضم سكان باندورا الأصليين، وهم زُرْق شبيهون بالبشر. وبعد صراع ملحمي شرس، يطرد النافي جميع البشر من قمر باندورا ليعودوا إلى كوكب الأرض المستنزف بشدة.
على الرغم من أنها قصة مُحذِّرة أخرى، فإنه ليس من المتوقع أن تواجه شركة الموارد الكوكبية مُعضِلة أخلاقية متمثلة في طرد مواطنين أصليين من أجل الحصول على مواردهم، وبخاصة على الكويكبات التي تخطط للتعدين بها؛ حيث إنها صغيرة للغاية لأن تحمل أغلفتها الجوية نفسها، ناهيك عن سكانها.
من ثمَّ، فقصة هذا الفيلم أقل إثارة للقلق. ولكننا إن عدنا للثمانينيات، فسنجد عملاً واعدًا أكثر أهمية من أعمال الخيال العلمي التي تتناول التعدين في الفضاء. وربما لا يجب علينا في هذه الآونة وصفه بالخيالي وإنما بالعلمي فحسب؛ إنه الكتاب النبوئي "التنقيب في السماء: الكنوز الدفينة في الكويكبات، والمُذنًّبات، والكواكب" لصاحبه جون س. لويس.
وعلى الرغم من أن كل فصل يبدأ باقتباس من كتاب خيالي، هو بمثابة كتاب "تاريخ مستقبلي" يلقي من خلالها القارئ "نظرة إلى الوراء" على كيفية "الفوز" بالمجموعة الشمسية، وكان ذلك بمثابة لمسة فكاهية لمحبي الخيال العلمي؛ حيث يعج الكتاب بنقاشات ترتكز على أسس علمية واستكشافات مفصلة لمجموعة كبيرة من المعادن، والمواد الطيًّارة، وغيرها من المواد المفيدة الموجودة في مختلف الأجرام الصغيرة التي نعرفها تتحرك في مناحي المجموعة الشمسية.
ويشرح جون س. لويس بالتفصيل كيف يمكننا استخراج تلك الموارد النفيسة من الكويكبات، والمُذنَّبات، والكواكب الموجودة في نظامنا الشمسي لصالحنا. ويستكشف في الوقت ذاته الإمكانات غير المحدودة للفضاء الخارجي. كما يتأمل في استخراج المياه من أقمار المريخ وتفريغ الكويكبات لتعمل بمثابة منازل فضائية، ويعرض أيضًا دراسات جدوى فنية واقتصادية لخططٍ كانت تُعد حينها خيالاً خالصًا، ولكنها غدت واقعًا في يومنا هذا.
ها نحن قد تحرينا الآن أخطار التنقيب في الفضاء وبشائره كما صورتها عقول كاتبي الخيال العلمي الخلاقة. فدعونا نأمل في أن يكون جون لويس – ويجدر بالذكر أنه أحد مستشاري شركة الموارد الكوكبية – محقًّا فيما قال، وأنه ليس هناك فضائيون.
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني 2012/2013.
**قد تهتم أيضًا بقراءة صناعة الموضة: التنقيب في السماء II.
المراجع
imd.com
techcitement.com
amazon.com