على الرغم من رائحته الكريهة، يُعد الفسيخ أحد أشهر الأطباق وأقدمها في مصر. يحرص المصريون على تناول الفسيخ، إلى جانب البصل والليمون، في يوم شم النسيم أو عيد الربيع، الذي يرجع تاريخ الاحتفال به إلى عام 2700 قبل الميلاد؛ إذ اعتقد المصريون القدماء أن تقديم الأسماك، وخاصة الأسماك المالحة، إلى الآلهة في هذا اليوم، يضمن لهم المحصول الجيد وزيادة في خصوبة أراضيهم.
واليوم، تُعد محافظة المنوفية الواقعة شمال القاهرة من أكثر المحافظات إنتاجًا لأسماك الفسيخ. يمكن تحضير الفسيخ بسهولة عن طريق تجفيف أسماك البوري جيدًا في الشمس، ثم حفظها في ماء به كمية مناسبة من الملح لمدة شهر ونصف تقريبًا. ولا يسبب الفسيخ أي ضرر في حالة إعداده وتخزينه بصورة جيدة؛ ولكن، إذا استخدمت الأسماك الميتة أو أضيفت كمية غير مناسبة من الملح، يمكن أن يؤدي إلى التسمم الغذائي، الذي تسببه بكتيريا تدعى مطثية وشيقية أو كلوستريديوم بوتولينيوم.
وتحت الميكروسكوب، تبدو المطثية الوشيقية على شكل عصيات بكتيرية تنشأ في تربة لا هوائية التنفس؛ حيث تفتقر إلى الأكسجين، وهو ما يساعد على نموها؛ وتلك الظروف تعد مثالية لنمو البكتيريا في حالة الإعداد الخاطئ للفسيخ. وفي الظروف غير الملائمة لتلك البكتيريا، مثل وجود نسب الأكسجين العالية؛ تُغلف البكتيريا نفسها بأبواغ كامنة وبنية غير منتجة تنتجها بعض أنواع البكتيريا للتغلب على تأثير الظروف السيئة، ويمكن أن تظل تلك البكتيريا حية في الأبواغ لسنوات.
وتنتج المطثية الوشيقية سمومًا عصبية تستهدف الجهاز العصبي؛ وتلك السموم تمنع قابلية المخ والحبل الشوكي من إرسال إشارات إلى سائر أنحاء الجسم، وتظهر في صورة شلل يتطور حتى يصل إلى الصدر. وفي تلك الحالة، يموت المريض نتيجة شلل عضلات الجهاز التنفسي إن لم يُستخدم جهاز التنفس الصناعي على الفور. وتبدأ علامات التسمم بالفسيخ خلال 12–72 ساعة؛ وتلك الأعراض تشمل الشلل والقيء والغثيان وجفاف الفم. ويُنصح أن يتناول من يشعرون بتلك الأعراض دواء مضادًّا للجراثيم عن طريق الفم، وشرب كميات كبيرة من الماء حتى يصلوا إلى المستشفى.
ويمكن تشخيص التسمم الغذائي عن طريق تحليل عينات الدم أو البراز؛ ورغم ذلك، فلا يفضل الأطباء إجراء اختبارات لعينات دم المريض بحقنها في فأر وانتظار ظهور علامات التسمم الغذائي؛ لأنها تستغرق وقتًا طويلًا. فإن كانت نتائج الاختبار إيجابية، يجب أن يخضع المريض إلى غسيل فوري للمعدة أو تناول مضادات الأكسدة وفقًا لخطورة الحالة. ومع ذلك، أثبتت البحوث أن غالبية الناس الذين يعانون من التسمم الغذائي لن يتعافوا أبدًا تمامًا؛ إذ يعانون دائمًا من الإرهاق، والضعف، وجفاف الفم.
وكل عام تحذر وزارة الصحة المصرية الأفراد من تناول الفسيخ لتقليل أخطار الإصابة بهذه البكتيريا، التي قد تصبح قاتلة إن لم يتم معالجتها بشكل صحيح. وفي عام 1991، سجلت الإحصاءات أسوأ معدلات تسمم الفسيخ بوفاة
18 شخصًا يوم الاحتفال بشم النسيم.
وإن كنت ممن لا يقاومون تناول الفسيخ، احرص على شرائه من مصدر موثوق به، وتوخَّ الحذر حتى لا يتحول الاحتفال إلى كارثة.
المراجع
fondazioneslowfood.com
foodborneillness.com